شهدت سوريا هذا الأسبوع حوادث أمنية وأحداث عنف ومظاهرات في عدة مناطق، كان أبرزها في مدينة اللاذقية شمال غربي البلاد، حيث طالب المحتجون بالإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات خلال عهد النظام المخلوع، كما رفعوا شعارات طائفية وأخرى تدعو إلى الفدرالية
ووفقاً لمحللين، فإن القاسم المشترك بين هذه الحوادث الأمنية هو وقوعها في مناطق معروفة بتداخلها الطائفي، مما أثار مخاوف من امتدادها واستغلال أطراف خارجية لها، رغم تأكيد السلطات استبعاد البعد الطائفي عن تلك الحوادث والتحركات، وتركزها على حماية المتظاهرين وصون حرية احتجاجاتهم
جريمة حمص
انطلقت الأحداث من حمص وسط البلاد، حيث أعلنت السلطات الأحد الماضي عن العثور على رجل وزوجته مقتولين بمنزلهما في بلدة زيدل، وقد تعرضت جثة الزوجة للحرق، وكتبت عبارات تحمل طابعاً طائفياً في موقع الجريمة
في هذا السياق، وُجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات لمجموعات آلوية بالوقوف وراء هذه الجريمة، مما أدى إلى إشعال موجة من العنف في بعض أحياء مدينة حمص التي تضم أحياء سنية وأخرى علوية
بعد جريمة زيدل، شهدت أحياء حمص انتشاراً لقوات الأمن الداخلي والجيش السوري، بسبب توترات أمنية وإطلاق نار عشوائي، وعمليات اقتحام منازل وتخريب محال تجارية، مما دفع أجهزة الأمن إلى إرسال تعزيزات أمنية إلى البلدة وعدد من المناطق جنوبي حمص
ورغم تأكيدها أن التحقيقات الأولية ترجح وجود دافع جنائي وليس طائفياً خلف جريمة زيدل، أعلنت وزارة الداخلية السورية فرض حظر التجوال في عدة أحياء ومناطق حمص، وذلك تفادياً لاستغلال الحادثة لإثارة الفتنة الطائفية، كما تم تعليق دوام المدارس يوم الاثنين الفائت بسبب الأوضاع الأمنية في المدينة، قبل أن تعلن أن الأمور تسير نحو الاستقرار
تُعرف محافظة حمص بتداخلها الطائفي، حيث تعيش فيها مكونات متنوعة، وأكدت الحكومة مراراً أن حماية الأقليات ضمن أولويات الدولة
مظاهرات وإطلاق نار باللاذقية
وأمس الثلاثاء، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إصابة عنصرين من قوات الأمن وعدد من المدنيين جراء إطلاق نار خلال احتجاجات شهدتها مدينة اللاذقية شمال غربي البلاد، للمطالبة بالإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات في فترة الرئيس المخلوع بشار الأسد
قال قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية عبد العزيز الأحمد – في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية (سانا) – إنه “أثناء قيام عناصرنا بحماية الوقفة عند دوار الزراعة في المدينة، تعرضوا لإطلاق نار مباشر من جهة حي يقطنه ضباط مرتبطون بالمؤسستين الأمنية والعسكرية التابعة للنظام البائد”
وأوضح الأحمد أن إطلاق النار أدى إلى إصابة عنصرين من الأمن الداخلي وعدد من المدنيين المشاركين في الوقفة
وجاءت هذه الفعالية ضمن احتجاجات في عدة مناطق في الساحل السوري وحمص وحماة، حيث طالب المشاركون بالإفراج عن معتقلين معظمهم من الطائفة العلوية، وبإرساء نظام حكم فدرالي
كان المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا قد صرح سابقاً بأن وحدات الأمن الداخلي أمّنت التجمعات الاحتجاجية في بعض مناطق الساحل السوري، لمنع أي حوادث طارئة تستغلها الجهات التي تروّج للفوضى، حسب تعبيره
هجوم جديد بالسويداء
وأفاد مصدر أمني سوري، أمس الثلاثاء أيضاً، بمقتل عنصر من قوى الأمن الداخلي وإصابة اثنين آخرين في ريف السويداء جنوبي البلاد
قال المصدر لوكالة “سانا” إن مجموعات خارجة عن القانون استهدفت حاجزاً أمنياً في ريف السويداء الغربي مما أدى إلى مقتل عنصر وإصابة آخرين بجروح، أوضحت وزارة الداخلية أيضاً عن تعامل وحداتها مع مصدر النيران، مما أدى إلى “وقوع قتلى وجرحى في صفوف العصابات”، وفق تعبيره
أدانت الوزارة في بيان لها “الاعتداء الإرهابي الذي نفذته عصابات خارجة عن القانون”، مؤكدة أن هذه الاعتداءات تهدف فقط إلى زعزعة الأمن واستقرار حياة المدنيين في محافظة السويداء
بداية الاضطرابات في السويداء ذات الغالبية الدرزية، كانت بمواجهات بين عشائر بدوية ومسلحين دروز، في يوليو/تموز الماضي، وتدخلت القوات الحكومية لاحتواء المواجهات، لكنها تعرضت للاستهداف من المجموعات المسلحة المحلية وكذلك من إسرائيل، مما اضطرها للانسحاب، قبل التوقيع على عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار ما زال آخرها سارياً رغم تكرار انتهاكه من طرف جماعات مسلحة تستهدف الجيش والعناصر الأمنية
أسفرت الاشتباكات في يوليو الماضي عن مقتل المئات من المدنيين والعسكريين، وأفادت تقارير بوقوع انتهاكات شملت إعدامات ميدانية وتهجير آلاف السكان
تنسيق عالي المستوى
قال المحلل العسكري السوري فايز الأسمر إن الاعتصامات الاحتجاجية التي دعت إليها رئيس ما يعرف بـ “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر” غزال غزال، في مناطق متداخلة طائفياً باللاذقية وطرطوس وأرياف حماة الغربية، تحولت إلى “وقفات تحريضية” أثارت النعرات الطائفية وهددت السلم الأهلي
أضاف الأسمر أن قوات الأمن قامت بـ “تدخل انضباطي إيجابي” تحسب لها بهدف حماية المحتجين ومنع انزلاق الوقفات إلى صدامات طائفية، غير أن بعض هذه القوات تعرض لاعتداءات وإطلاق نار من قبل “عصابات فلول النظام البائد”
أشار المحلل العسكري إلى أن ما جرى هذا الأسبوع يحمل دلالات على “تنسيق عالي المستوى” بين جهات إقليمية وما يُعرف بمليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق شمال وشرق البلاد، و”مليشيات الهجري” في السويداء، إلى جانب كبار ضباط فلول النظام في الداخل والخارج، مع دعم من إيران وحزب الله، بهدف تأجيج الفتن الطائفية وإحداث حالة من الفوضى الأمنية لإرباك الحكومة السورية وإثقال كاهلها
استثمار خارجي
بدوره، قال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان إن الحكومة السورية ما تزال قادرة على ضبط الموقف رغم الأحداث المتتالية التي تحاول استثمار الفوضى وتأجيج النعرات الطائفية والإثنية في عدة مناطق
أوضح علوان أن ما يجري “لم يخرج عن السيطرة، ومن المستبعد أن يتطور إلى ذلك”، لكنه حذر في المقابل من استمرار الاستثمار الخارجي في هذه التوترات، مما قد يعرقل – بحسبه – عملية بناء “سوريا الجديدة كما يريدها السوريون” وأكد أن المواقف الإقليمية والدولية الداعمة قد تتردد في ظل اتساع المشكلات الداخلية
في ما يتعلق بما إذا كانت الأحداث الراهنة مجرد حوادث فردية أم نتيجة جهد منسق، أكد علوان أن “ما يحدث هو جهد منسق بكل تأكيد”، مشيراً إلى أن هذا الجهد يسعى لخلق حوادث جديدة أو استغلال حوادث جنائية عابرة وتحويلها إلى أدوات للتجييش وإثارة الرعب
أشار إلى أن التضخيم الإعلامي لعب دوراً محورياً في رسم صورة غير واقعية عما يجري، قائلاً إن “ما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي أضخم بمرات مما يحدث على الأرض”، واصفاً ذلك بأنه استثمار إعلامي متعمد يهدف إلى إظهار الدولة عاجزة عن ضبط المشهد
تبذل الحكومة السورية الجديدة جهوداً مكثفة لضبط الأمن في البلاد منذ الإطاحة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بعد 24 عاماً من الحكم
اختتم علوان بالتأكيد على أن هذا لا يعني غياب المخاطر تماماً، إذ توجد – بحسب تقديره – جهات داخلية وخارجية ستواصل محاولات التشويه والتحريض وخلق الأزمات، مما يتطلب يقظة أكبر للحفاظ على الاستقرار الداخلي
