في مشهد غير معتاد وسط العواصف الاقتصادية التي تضرب اليمن منذ عقد كامل، يحقق الريال اليمني استقراراً غير مسبوق يتمثل في ثباته عند 1630 ريال مقابل الدولار لليوم التسعين على التوالي، هذا الاستقرار، الذي يبدو وكأنه هدوء يسبق العاصفة، يوفر ملايين اليمنيين في المناطق المحررة بارقة أمل وسط محيط من الكساد الاقتصادي.
في مكتب صرافته المتواضع في شارع الملكة أروى في عدن، يراقب خالد الصرافي شاشات الأسعار بعيون مطمئنة لأول مرة منذ سنوات، “لم أعد أخشى فتح محلي في الصباح ومفاجأة العملاء بأسعار مختلفة تماماً عن اليوم السابق”، يقول وهو يعد الأوراق النقدية الباهتة، الأرقام تتحدث عن انهيار 95% من قيمة الريال منذ 2015، عندما كان الدولار يساوي 215 ريالاً فقط، في حين أن دولاراً واحداً اليوم يحتاج إلى 8 ريالات لشرائه قبل عقد من الزمن.
قد يعجبك أيضاً :
خلف هذا الاستقرار النادر قصة معقدة من السياسات النقدية الحذرة للبنك المركزي في عدن والدعم السعودي المتواصل، المحافظات الجنوبية التي تشهد هذا الثبات تعاني من انقسام مؤلم عن نظيرتها الشمالية، حيث يتعرض الريال لتقلبات حادة تحت سيطرة جماعة الحوثي، هذا الانقسام النقدي يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، ويعيد للذاكرة آخر عهد للاستقرار النقدي في 2014، قبل أن تبتلع الحرب كل شيء.
فاطمة، امرأة يمنية من حي المنصورة، تتابع أسعار الصرف يومياً كطقوس مقدسة، “أصبح لدي القدرة على حفظ الأرقام كما أحفظ أسماء أطفالي”، تقول وهي تقلب هاتفها بحثاً عن آخر الأسعار، راتب زوجها الموظف الذي يصل إلى 150 ألف ريال لا يكفي لشراء 100 دولار، لكن الاستقرار النسبي يمنحها فرصة للتخطيط، تستطيع اليوم شراء الأرز والزيت دون خوف من ارتفاع مفاجئ قد يقلب موازين بيتها، هذا الثبات، رغم هشاشته، أعاد للعائلات اليمنية شيئًا من الكرامة في إدارة شؤونها اليومية.
قد يعجبك أيضاً :
لكن الخبراء يحذرون من الانجراف وراء الأمل الزائف، “هذا الاستقرار مثل رسوخ الجبال في بحر من التقلبات، لكنه قد ينهار بقرار سياسي واحد أو توقف الدعم الخارجي”، يؤكد الدكتور عبدالله، المحلل الاقتصادي، السؤال الذي يؤرق ملايين اليمنيين اليوم هو: هل سيصمد هذا الاستقرار النادر أمام تقلبات السياسة والحرب المدمرة، أم أنه مجرد هدنة قصيرة قبل عاصفة اقتصادية جديدة؟.
