أسماء محفوظ في البرلمان الأوروبي، 8 مايو 2012 (Getty)
تتزايد حالات استخدام قرارات منع السفر في مصر كإجراء إداري وعقابي، مما يشمل مجموعة واسعة من النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتُعتبر هذه الظاهرة بحسب المراقبين أداة للتنكيل السياسي الفعال داخل البلاد، حيث تكشف الحالات الأخيرة المتعلقة بناشطين بارزين عن استمرار هذه القيود لسنوات طويلة، دون وجود سند قضائي واضح أو إشعار رسمي، مما يثير تساؤلات حول مدى احترام السلطات المصرية للضمانات القانونية والدستورية المتعلقة بحرية التنقل.
قرارات منع سفر في مصر
في تطور ملحوظ، وجهت الناشطة السياسية أسماء محفوظ نداءً عاماً إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، والنائب العام محمد شوقي، ووزير الداخلية محمود توفيق، ومسؤولين آخرين، مطالبةً، في بيان على منصة فيسبوك، بإنهاء معاناتها المستمرة منذ أكثر من 12 عاماً، وأشارت محفوظ إلى أن اسمها يُدرج باستمرار على قوائم منع السفر منذ عام 2013، مؤكدةً أن هذا القرار تم اتخاذه “دون أي تحقيق أو إشعار رسمي، ودون صدور قرار قضائي مسبب يمكنها من الطعن ضدّه أو فهم أسبابه”.
أسماء محفوظ: كيف يمكن أن يُمنع مواطن من السفر لأكثر من 12 عاماً دون استدعاء واحد أو إجراء رسمي؟
ذكرت محفوظ أنها قدمت عدة بلاغات وشكاوى أمام مجلس الدولة مروراً بالسنوات الماضية للاستفسار عن أسباب المنع أو الطعن ضدّه، إلا أن الرد المتكرر كان “عدم الاختصاص”، مما تركها في حالة من “الحيرة والضياع”، إذ لم تعرف الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرار، وتساءلت في نداءها عن كيفية استمرار منع مواطن من السفر لأكثر من 12 عاماً دون أي استدعاء أو إجراء رسمي، مشددةً على أن هذا الوضع يُشكل “مخالفة صريحة للمادة 62 من الدستور المصري” التي تضمن حرية التنقل والسفر، ولا يُحدّدها إلا بقرار قضائي مسبب ولفترة محددة، وطالبت محفوظ بـ “التحقيق الفوري” في أسباب استمرار المنع، و”رفع اسمها من القوائم بشكل فوري عند عدم وجود قرار قضائي مسبب”، ومنحها حق السفر، ولا سيما لأداء العمرة.
في سياق متصل، كشفت سناء سيف، شقيقة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، عن منع شقيقها من السفر إلى بريطانيا لاستلام جائزة دولية لحقوق الإنسان، بعد بضعة أسابيع من الإفراج عنه في عفو رئاسي، وأوضحت سناء قبل حوالي أسبوع، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة منعت علاء من السفر، بينما سُمح لها وحدها بالتوجه إلى لندن، وأوضحت في كلمتها خلال مؤتمر تسلم الجائزة، أن محامي شقيقها يحاولون فهم سبب المنع، خاصة أنه لم يُمنع من تجديد جواز سفره.
حصل علاء عبد الفتاح على إحدى جوائز ماغنيتسكي لحقوق الإنسان، الممنوحة لناشطي حقوق الإنسان والصحافيين، والعاملين في مكافحة الفساد، وأفادت سناء بأن علاء، رغم الإفراج عنه، “ما زالت حريته جزئية ويحتاج حرية الحركة”، ليتمكن من السفر والعيش مع ابنه الذي يدرس في مدرسة خاصة في برايتون البريطانية، ويأتي هذا المنع بعد قضائه أكثر من ست سنوات في السجن، صدر على إثرها عفو رئاسي في سبتمبر/ أيلول الماضي، وقد حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات للمرة الثانية بسبب منشور تضامني (بشأن عنف السلطات)، بعد أشهر من اعتقاله في عام 2018، بينما كان يقضي فترة مراقبة بعد انتهاء حكم سابق، وقد عانى عبد الفتاح، وفقاً لسناء سيف، من “الظلم المركب” خلال خمس سنوات، شمل عدم حصوله على محاكمة عادلة، ومنعه من زيارة القنصلية، وكذلك مخالفة قانون الإجراءات الجنائية في احتساب مدة الحبس الاحتياطي.
أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مرور خمسة أعوام على فرض إجراءات منع السفر والتصرف في الأموال والممتلكات بحق ثلاثة من مديريها، وهم المدير الإداري محمد بشير، ومدير البحوث كريم عنارة، والمدير التنفيذي في ذلك الوقت جاسر عبد الرازق، وذكرت المبادرة في بيانها الأخير أن السلطات فرضت هذه الإجراءات “التعسفية” في إطار هجمة أمنية وقعت بين 15 و19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حيث قبض على المدراء الثلاثة، ووجهت لهم اتهامات “معتادة” من نيابة أمن الدولة العليا، مثل “الانضمام لجماعة إرهابية” و”إذاعة أخبار وبيانات كاذبة”، بعد استجوابهم حصرياً حول عملهم الحقوقي، ورغم قرار النيابة بإخلاء سبيلهم لاحقاً في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020 على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020، لا تزال القضية مفتوحة، وتستمر التدابير العقابية المفروضة عليهم.
تقدمت المبادرة بتظلم إلى مجلس القضاء الأعلى ضد استمرار تجميد الحسابات البنكية، والتحفظ على الممتلكات، والمنع من السفر دون تحقيق أو محاكمة، كما تقدمت ببلاغ لمكتب النائب العام للمطالبة بإسقاط الاتهامات، ومع ذلك، نشرت المبادرة أن المجلس ومكتب النائب العام لم يُخطراها باتخاذ أي إجراءات بشأن هذا الأمر على مدار عام كامل، وذكرت أن فريق الدفاع تقدم بتظلمات عديدة لرئيس محكمة استئناف القاهرة بخصوص منع السفر وتجميد الأصول، إلا أن المحكمة لم تحدد جلسة واحدة للنظر فيها على مدار السنوات الخمس الماضية، معللةً ذلك بانتظار وصول مذكرة المعلومات المطلوبة من نيابة أمن الدولة العليا، التي “امتنعت طوال هذه الفترة عن إفادة المحكمة”، مما يعد مخالفة لنص المادة “208 مكرر ب” من قانون الإجراءات الجنائية، كما لم يُسمح لأعضاء المبادرة أو ممثليهم القانونيين بالاطلاع على أي من أوراق القضية أو الحصول على نسخة من حكم محكمة الجنايات الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2020 بشأن منعهم من التصرف في الأموال.
انتهاكات حقوق الإنسان
تناول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الانتهاكات في مصر في تقريره السنوي بشأن الأعمال الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث أشار التقرير إلى أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعرضت لخمس قضايا جنائية خلال الأعوام الأربعة الماضية بسبب نشاطها الحقوقي، بما يشير إلى مخاوف أصحاب الولايات بشأن “حظر سفرهم، وتجميد أصولهم، بناءً على عملهم في مجال حقوق الإنسان”، وانتقد المقررون الخاصون بمجلس حقوق الإنسان قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مشيرين إلى أن المادة 147 تسمح بـ”حظر السفر لمدة عام واحد مع إمكانية التجديد غير المحدود”، في المقابل، اكتفى الرد الذي أرسلته الحكومة المصرية للأمم المتحدة في 14 يوليو/ تموز الماضي بترديد ادعاءات أنها “تحترم سيادة القانون وفصل السلطات، وتضمن توافق التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية”، مؤكدةً أن الإجراءات القضائية لا تتم إلا “بناءً على أدلة دامغة”.
بحسب هيومن رايتس ووتش في “التقرير العالمي 2025″، لا تزال حكومة مصر “تعاقب المنتقدين السلميين” بشكل منهجي، عبر إجراءات قمعية، تشمل استخدام قرارات منع السفر كأداة ضمن نظام أكبر من التضييق على المنظمات المستقلة والنشطاء، ونبهت “هيومن رايتس ووتش” خلال استعراض الأمم المتحدة لسجل مصر الحقوقي في 28 يناير/ كانون الثاني 2025 إلى فشل السلطات في معالجة توصيات تتعلق بحرية التنقل، مشيرةً إلى أن قانون الإجراءات الجنائية المعدل يسمح بفرض حظر سفر عاماً واحداً قابلاً للتجديد بلا حدود، مما يجعل هذا الإجراء “مضطهداً بشكل شبه دائم” بحق نشطاء المعارضة، بالإضافة إلى ذلك، أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في يناير/ كانون الثاني 2025، بأن الاستراتيجية الأمنية المتجددة تضمنت فتح تح investigations جنائية بحق ناشطين، مثل حسام بهجت (ناشط حقوقي وصحفي)، مصحوبةً بمنع سفر، وهو ما يعكس، وفقاً للتقرير، نمطاً من القمع المستمر قبل الاستعراض الدولي وبعده.
