قبل عام، تقدم بنك الخرطوم بطلب إلى السلطات المصرية للحصول على رخصة لتأسيس بنك تجاري في العاصمة القاهرة، يهدف إلى خدمة المصالح الاقتصادية والاستثمارات بين البلدين.
لم يكن هذا الهدف هو الوحيد وراء رغبة بنك الخرطوم في افتتاح فرع له بجمهورية مصر العربية، بل كانت الأعداد الكبيرة للسودانيين المقيمين في مصر بعد اندلاع الحرب في السودان أيضاً دافعاً رئيسياً للبنك.
وفقاً للمدير التنفيذي لبنك الخرطوم، لمياء ساتي، التي تحدثت في ورشة التكامل المصرفي بين مصر والسودان، والتي تمثل جزءاً من التحضيرات للملتقى المصري السوداني الثاني لرجال الأعمال، فإن السلطات المصرية لم تسمح حتى الآن للبنك بمزاولة عمله بالقاهرة.
وأكدت ساتي أن بنك الخرطوم استوفى كافة المتطلبات والإجراءات التي طالبت بها البنك المركزي المصري، بما في ذلك رأس المال البالغ قيمته 150 مليون دولار، وطلبت في الوقت نفسه أن يُسارع المركزي بإجراءات السماح للبنك بالعمل، نظراً لأن معاملاته التجارية تجري خارج النطاق المصرفي.
طلبات متعددة
قال مدير عام قطاع الرقابة بالبنك المركزي المصري، هشام جويد، “إن المركزي يدرس طلبات من بنوك سودانية لفتح أفرع لها في مصر، مضيفاً أن البنك يرحب بهذه الطلبات إذا توافقت مع الاشتراطات والإجراءات المحددة لدينا”.
وأضاف أن “المركزي المصري” يشترط على البنوك الأجنبية الراغبة في فتح فرع لها في مصر حدًا أدنى من رأس المال يبلغ 150 مليون دولار، موضحاً أن هناك خيارًا آخر يتمثل في افتتاح الفرع كشركة مساهمة مصرية برأس مال 5 مليارات جنيه.
العقبات والمشاكل
حديث لمياء ساتي يفتح النقاش حول العقبات والمشاكل التي تواجه القطاع المصرفي السوداني في افتتاح فروع خارج البلاد، حيث أكدت المدير التنفيذي لبنك الخرطوم أن البنك يملك أربع فروع خارجية في مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة.
أكد المدير العام لبنك أم درمان الوطني، د. عبدالمنعم الطيب، خلال الورشة، أن واقع العلاقات المصرفية بين السودان ومصر يتركز في الوقت الحالي على التعاون في مجالات تحصيل المستندات، التحويلات المالية، وتبادل المعلومات المصرفية، وقال “على الرغم من وجود أكثر من 35 مصرفًا في السودان، إلا أن التواصل مع نظيراتها في مصر ما زال محدودًا.”
إقامة علاقات مصرفية
وأشار الطيب إلى أهمية إقامة علاقات مراسلة مصرفية بين المصارف السودانية والمصرية، مما يتيح فتح حسابات مصرفية متبادلة للاستفادة منها في تأسيس وتطوير المبادلات التجارية وتقديم التسهيلات المصرفية وخطوط التمويل.
ودعا مدير بنك أم درمان الوطني إلى إزالة القيود التنظيمية التي تحجب دخول المصارف السودانية إلى السوق المصرفي المصري، مع وضع أسس لعمليات التصدير والاستيراد لصالح البلدين، مثل الاقتراح بشأن “الدولار الحسابي” كوسيلة لتسوية الحسابات تحت مظلة البنوك المركزية، مشيراً إلى أنه حال استمرار هذه الجهود بفاعلية، فقد نشهد في السنوات المقبلة تأسيس بنوك مشتركة أو على الأقل فتح فروع لمصارف سودانية في مصر والعكس، مما يعزز حركة رؤوس الأموال ويزيد من فرص الاستثمارات المتبادلة.
عقبات جيوسياسية
يرى الخبير المصرفي، أيمن جاويش، أن التخوف من قبل المصارف المركزية الخارجية يعود إلى سياسة المخاطر المطبقة من قبل البنوك المراسلة الكبيرة بسبب العوامل الجيوسياسية، موضحاً أن تصنيف السودان كدولة عالية المخاطر المصرفية كان قائماً منذ ما قبل اندلاع الحرب، وقد زادت معدلات هذا التصنيف بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي يعاني منها السودان.
وأشار جاويش إلى أن معظم البنوك الخارجية تتعلل بالعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان، على الرغم من أن هذه العقوبات قد تم رفعها قبل خمس سنوات.
وذكر أن السبب الثاني وراء عدم قدرة المصارف السودانية على فتح فروع بالخارج يعود إلى عدم وجود إرادة سياسية من الجانب المصري والدول الأخرى، ورفضهم التعلل بضعف المركز المالي للمصارف السودانية.
عدم إعتراف
بدوره، أشار المحلل الاقتصادي المصري المهندس منجد إبراهيم إلى أن أبرز العقبات التي تحد من التجارة بين البلدين تتمثل في عدم اعتراف البنوك المصرية بالبنوك السودانية بشكل مباشر بسبب التصنيف الائتماني المتدهور للسودان.
وأوضح أن الشخص الذي يرغب في استيراد بضاعة من مصر يضطر للتعامل عبر بنك وسيط، وغالباً ما تكون تلك البنوك إماراتية أو سعودية، مما يمثل تكلفة وزمناً إضافيين.
أما عن عقبات التحويلات، فقد أوضح أنه لا توجد تحويلات مباشرة بين البنوك المصرية والسودانية بسبب سعر الصرف المتدهور في السودان.
حلول مرتقبة
وذكر منجد أن الجنيه المصري ليس من ضمن العملات المتداولة في السودان، حيث لا يُدرج في التعاملات بين البلدين، مشيراً إلى أن السودان يعتمد على الدولار واليورو والدرهم الإماراتي في تحويلاته.
ولفت إلى أن بعض قوانين التجارة للسلع في السودان تتطلب التحويل المسبق قبل التصدير، مثل الذهب، كاشفاً أن المصارف الإماراتية الوحيدة التي كانت تعمل بهذا النظام هي وحدها بالمقارنة مع البنوك المصرية.
وذكر الخبير الاقتصادي المصري أن المشكلة أُحيلت إلى البنوك المركزية في البلادين لحل العقبات، مضيفاً أنه قبل الحرب، تم تقديم ملف من بنك الخرطوم في القاهرة للحصول على استثناء لتقليل الرسوم المفروضة عليه، لكن بنك الخرطوم أوفى بالمبلغ كاملاً، وهو جاهز تماماً للتسجيل، وفقاً لحديث إبراهيم، وتوقع أن يشهد ملف ربط البنوك المركزية بين البلدين انفراجاً خلال الشهر أو الشهرين القادمين.
المحقق – نازك شمام
