عندما نفكر في البراكين، غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا تلك البراكين الشهيرة مثل إتنا في صقلية أو يلوستون في الولايات المتحدة، إلا أن العلماء اليوم يحذرون من تهديد أكبر بكثير، يتمثل في البراكين التي تبدو هادئة أو خاملة، والتي بالكاد تُراقب، لكنها تحمل في أعماقها القدرة على إحداث كوارث ضخمة.
أمثلة حديثة ودروس من الماضي
في نوفمبر 2025، شهد العالم ثورانًا مفاجئًا لبركان هايلي غوبي في إثيوبيا، لأول مرة منذ التاريخ المسجل، أي منذ نحو 12 ألف عام على الأقل، أرسل البركان سحبًا هائلة من الرماد إلى ارتفاع 8.5 ميل في السماء، وسقطت المواد البركانية في اليمن، وانتشرت إلى المجال الجوي فوق شمال الهند.
وفي عام 1982، ثار بركان إل تشيتشون المكسيكي، وهو بركان غير معروف وغير مراقب، بعد أن ظل خامدًا لقرون طويلة، كانت قوة الانفجار هائلة، فقد دمرت الانهيارات الجليدية الساخنة من الصخور والرماد مساحات واسعة من الغابات، وأغلقت السدود على الأنهار، ودُمرت المباني، وسقط الرماد حتى غواتيمالا.
ما زاد الوضع سوءًا هو تأثير الكبريت الناتج عن الانفجار على الغلاف الجوي، حيث شكل جزيئات عاكسة أدت إلى تبريد نصف الكرة الشمالي وتحويل الرياح الموسمية الأفريقية جنوبًا، مما تسبب في جفاف شديد، وهذه التحولات المناخية، عند تزامنها مع سكان يعانون الفقر والحروب، خلقت كارثة لا مفر منها، فهذه الأمثلة التاريخية تسلط الضوء على أن البراكين الخفية ليست مجرد تهديد محلي، بل يمكن أن تكون لها آثار عالمية، تصل إلى التأثير على المناخ، والمحاصيل، والأمن الغذائي، وحتى الاقتصاد العالمي.
لماذا لا نولي هذه البراكين الاهتمام الكافي؟
السبب يكمن في تحيزاتنا البشرية الطبيعية، يميل الإنسان إلى افتراض أن ما كان هادئًا سيظل هادئًا، وهو ما يعرف في علم النفس بـ “تحيز الوضع الطبيعي”، إذا لم يثور بركان لأجيال، يُعتقد ضمنيًا أنه آمن، علاوة على ذلك، يعتمد الناس على سهولة تذكر الأمثلة في تقييم المخاطر، وهو ما يسمى الاستدلال بالتوافر، البراكين المعروفة، مثل ثوران إيسلندا عام 2010، تظل حاضرة في أذهاننا، بينما البركان النائي، الذي لم يُسجل نشاطه الحديث، نادرًا ما نعتبره خطرًا وشيكًا، هذه التحيزات تقودنا إلى نمط خطير، الاستثمار في الرصد والإنذار المبكر بعد وقوع الكارثة، وليس قبلها، والنتيجة أن ثلاثة أرباع الانفجارات البركانية الكبرى تأتي من بركان ظل هادئًا لأكثر من مئة عام، ويقع معظمها في مناطق غير مراقبة بشكل كافٍ، وفقًا لموقع “Livescience”.
التجارب الإيجابية
التجارب الإيجابية موجودة أيضًا، فقد تمكنت السلطات والعلماء من تجنب كوارث كبيرة عبر الرصد المبكر والتخطيط السليم، كما حدث في جبل بيناتوبو بالفلبين عام 1991، وفي جبل ميرابي بإندونيسيا عام 2019، وفي لا سوفريير بجزيرة سانت فنسنت عام 2021، وهذا يوضح أن الاستعداد المبكر يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح، لذا، يجب أن يتحول التركيز العالمي نحو البراكين التي لا تحظى بمراقبة كافية، خاصة في مناطق مثل أميركا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا، والمحيط الهادئ، حيث يعيش ملايين الأشخاص بالقرب من براكين لم تُسجل نشاطها التاريخي إلا قليلًا، حتى الاستثمارات المتواضعة في الرصد، ونظم الإنذار المبكر، وتعزيز قدرة المجتمعات على الاستجابة يمكن أن يكون لها أثر هائل في منع الكوارث.
خطوات عملية للحد من المخاطر
لمعالجة هذه الفجوات، أطلق فريق من العلماء، بمن فيهم مايك كاسيدي من جامعة برمنغهام، التحالف العالمي لمخاطر البراكين، وهو مؤسسة خيرية تركز على الاستعداد الاستباقي للثورات البركانية عالية التأثير، يهدف هذا التحالف إلى تسليط الضوء على البراكين الخفية والمناطق غير المراقبة وتعزيز قدرات الرصد حيث الحاجة أكبر، ودعم المجتمعات قبل وقوع الانفجارات، عبر التعليم والتخطيط الطارئ وبناء جسور التواصل بين العلماء وصناع القرار والمنظمات الإنسانية، فالاستثمار في هذه المجالات ليس رفاهية، بل ضرورة، لضمان أن يتحول أي بركان “هادئ” إلى تحذير مبكر بدلًا من كارثة عالمية.
