بانيا لوكا- أظهرت النتائج الأولية فوز سينيسا كاران، المرشح المدعوم من الرئيس المعزول ميلوراد دوديك، بالانتخابات الرئاسية المبكرة في جمهورية صرب البوسنة.
وقالت لجنة الانتخابات إن النتائج الأولية توضح أن كاران حصل على 50.89% من الأصوات، فيما نال مرشح المعارضة، برانكو بلانوشا، 47.81%، بعد فرز 92.87% من الأصوات، وأشارت اللجنة إلى انخفاض نسبة الإقبال، حيث بلغت 35.78% مقارنة بـ53% في انتخابات 2022.
تفويض الرئاسة لن يمتد لأكثر من سنة، إذ من المقرر إجراء انتخابات عامة في أكتوبر/تشرين الأول القادم، وقد أجريت هذه الانتخابات المبكرة عقب عزل الرئيس السابق ميلوراد دوديك ومنعه من ممارسة السياسة لمدة 6 سنوات.
قسّم اتفاق “دايتون”، الذي أنهى الحرب، البوسنة إلى فدراليتين، هما: البوسنة ذات الأغلبية البوشناقية المسلمة والكرواتية الكاثوليكية، وجمهورية صرب البوسنة ذات الأغلبية الصربية الأرثوذكسية.
اتهام ورفض
في مساء أمس الأحد، وقبل المؤتمر الصحفي لجلسة الانتخابات، أعلن ميلوراد دوديك فوز كاران بمنصب الرئاسة، ولم يخل خطابه من التهجم على البوشناق المسلمين، قائلاً إن 20 ألفاً منهم صوتوا لبلانوشا، مما زاد من غموض الانتخابات، واعتبر أن “محاولات كريستيان شميدت (الممثل السامي) وعناصر مؤيدة للمسلمين باءت بالفشل”.
في إطار حديثه عن نفوذه السياسي، قال دوديك: “أرادوا التخلص من دوديك، والآن عليهم التعامل مع دوديكين اثنين”، في إشارة إلى ولاء الرئيس الجديد له.
من ناحية أخرى، دعا كاران إلى السلام والاستقرار، وإلى “مكافحة النفوذ الأجنبي على حياة الشعب الصربي”، مؤكداً أن الشعب الصربي حدد موقفه برفض أن يكون هناك أي أجنبي أو مغتصب للسلطة تغير إرادته، وأعلن سعيه للاستثمار والعمل من أجل الازدهار الاقتصادي.
من جهتها، اتهمت المعارضة الحزب الحاكم بارتكاب مخالفات وتزوير في 3 مناطق، مطالبة بإعادة انتخابات جزئية في تلك المناطق.
“تظهر البيانات الميدانية، المستندة إلى جميع مراكز الاقتراع أن هناك سرقة كبرى للإرادة الانتخابية للشعب، وقد شهدنا هذه المحاولة، لذا نطالب بإعادة العملية الانتخابية في مدن دوبوي ولاكتاشي وزفورنيك”، على حد قول المعارضة.
أشار المرشح المعارض بلانوشا إلى أنه كان سيُعلن فوزه لو لم تكن هناك أي مخالفات، موضحاً أن المرشحين لم يعاملوا بشكل متساوٍ، خصوصاً في مجال الخدمات العامة، وأضاف: “ظهرتُ فقط مرتين على قناة ‘آر تي آر إس’ الحكومية، بينما ظهر كاران 57 مرة”.
أيضاً، يرفض شامل دوراكوفيتش، نائب رئيس جمهورية صرب البوسنة، التعليق على النتائج الأولية للانتخابات، معتبراً أن عدد الأصوات التي لم تفرز غير كافٍ للتأثير على النتيجة النهائية للانتخابات.
وفي سؤال الجزيرة نت حول شكاوى التزوير، قال دوراكوفيتش إنه بناءً على شكوى المعارضة، ستقرر لجنة الانتخابات المركزية ما يجب فعله، وفي حال ثبوت ذلك، قد تلغي اللجنة الانتخابات في الأماكن التي ثبتت بها المخالفات.
يعتبر دوراكوفيتش، البوشناقي المسلم ورئيس بلدية سربرنيتسا السابقة، أن هذه الخطوة تمثل آخر محاولات دوديك السياسية، خصوصاً بعد قرار المحكمة الدستورية منعه من ممارسة السياسة 6 سنوات، وأكد أنه “يتعين على محكمة الدائرة في بانيا لوكا شطب اسم ميلوراد دوديك من سجل الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، مضيفاً أن نفوذه داخل الحزب سيبقى، إلا أنه سيتلاشى رسمياً بفقدانه كل سلطته.
ويؤكد أن “في النهاية، انتصرت دولة البوسنة والهرسك ومؤسساتها على دوديك”.
“هزيمة نكراء”
من جهته، يعتبر الصحفي البوسني، عبده عبديتش، أن النتائج تظهر بوضوح أن المسألة الأساسية في البوسنة والهرسك، خاصة في جمهورية صرب البوسنة، لا تكمن في من يصوت أو كيف يصوت، بل في من يحصي الأصوات.
يستدرك في حديثه مع الجزيرة نت: “حتى لو تم تأكيد النتائج الأولية، تمثل هذه النتيجة هزيمة نكراء لميلوراد دوديك، الذي استمر في هيمنته شبه المطلقة لمدة عقدين، وانتهت تلك الحقبة فعلياً الليلة الماضية، وعلى الرغم من استخدام الحزب لكامل قوته السياسية والإعلامية، إلا أنه تمكن بصعوبة من ضمان فوز مرشحه كاران”.
يوافق عبديتش على ما قاله دوراكوفيتش، بأن مستقبل دوديك السياسي يرتبط بالحزب، طالما يظل على رأسه، سيستمر في استمداد نفوذ من المؤسسات التي يقودها أعضاء الحزب.
ويشير المحرر في موقع “استقصاء” إلى أن دوديك بذل محاولات كبيرة في الأشهر الأخيرة لرفع العقوبات الأميركية، لذا من المرجح أن يتبنى نهجاً أكثر حذراً وتصالحياً في المستقبل القريب، لكن هدفه وهدف أي خلف محتمل يبقى الانفصال عن البوسنة والهرسك، وفقاً لعبديتش.
التغيير محتمل
أوضح دوراكوفيتش أن هذه الانتخابات ستكون مقدمة للانتخابات القادمة في 2026، مضيفاً: “ما نشهده هو انخفاض حاد في دعم سياسات ميلوراد دوديك، حيث تحظى المعارضة الآن بدعم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي نفسه تقريباً، وستكون نتيجة 2026 غير مؤكدة، وهذا يعتمد على من سيرشحه الحزب والمعارضة، لكن من الواضح أن المواطنين بدأوا يغيرون رأيهم بشأن سياسات دوديك”.
حول علاقة جمهورية صرب البوسنة بالدولة البوسنية، اعتبر دوراكوفيتش أن تصريحات دوديك والرئيس المنتخب حديثاً كاران توضح أنهما سيواصلان بقوة من حيث انتهى دوديك، مما يعني أنه لن يتغير شيء تجاه دولة البوسنة والهرسك.
في المقابل، تبدي المعارضة قدراً من التساهل في هذا الصدد، ومع ذلك، يبدو دوراكوفيتش متشائماً إذ لا يرى بديلاً سياسياً في جمهورية صرب البوسنة يمكنه تغيير العلاقة تجاه دولة البوسنة والهرسك.
يقول عبديتش إنه لا يزال من الممكن أن يتغير الكثير قبل الانتخابات القادمة، وأن دوديك لديه الوقت والموارد لإعادة تنظيم صفوفه وترسيخ قاعدته الشعبية. ومع ذلك، يبقى السؤال الحاسم “هل ستتمكن المعارضة من توحيد صفوفها؟ إذا كانت متحدة في هذه الانتخابات، لما فاز كاران على الأرجح، بغض النظر عن أي مخالفات حدثت”. ويرى أن الرسالة الأهم التي بعث بها الناخبون هي رفضهم “الإخفاء السياسي”.
ويضيف “هناك إرهاق واضح من النخب السياسية القائمة، سواء في السلطة أو المعارضة، وقد أشار الناخبون إلى رغبتهم في وجوه جديدة وخيارات سياسية جديدة”.
