تراجع حاد في الطلب على عقارات مصر (فريدريك سلطان/Getty)
باشر جهاز مستقبل مصر التابع للقوات الجوية المصرية الاستعداد لإقامة مشاريع عقارية جديدة حول هضبة أهرامات الجيزة، بعد تأسيسه كياناً جديداً باسم “شركة مدن لإدارة الأصول”، والتي تشمل العقارات والمنتجعات السكنية، تأتي توسعات الجهاز التابعة للأجهزة السيادية في المناطق الحساسة حول المناطق الأثرية والمدن الكبرى، في إطار تغيير جوهري في استراتيجيته، وإعادة تهيئة أراضٍ مملوكة للقطاعين الخاص والعام، مما استلزم تعديلات شاملة على مخططات المناطق العمرانية المحيطة بمحافظات الجيزة والقليوبية، بالتوازي مع التغييرات التي أجراها جهاز الخدمة الوطنية على إدارة الأراضي والمرافق على امتداد الطرق الرئيسية وشبكات النقل.
الاستحواذ السّيادي
تأتي توسعات جهاز مستقبل مصر في ظل التعهدات التي أطلقها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للحكومة أمام صندوق النقد الدولي، ببيع أصول تزيد عن 50 شركة حكومية وعامة، بما فيها شركتا صافي للمياه ووطنية للبترول، للحدّ من تداخل الأجهزة السيادية والحكومية في الاقتصاد، وتعزيز المنافسة مع القطاع الخاص، الذي يعتبر محركاً رئيسياً للتنمية في البلاد، كما كرّر مدبولي التزاماته قبل وصول بعثة صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعة لبرنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد.
أوضح مصدر مطلع لـ”العربي الجديد” أن جهاز مستقبل مصر، الذي أصبح أحد الأذرع الرئيسية للجهات السيادية، يتجه نحو إدارة الأصول العقارية الكبيرة، وذلك من خلال مشروع “جريان”، الذي بدأ كمشروع زراعي لنقل مياه النيل، ليصبح مشروعاً عقارياً بالتعاون مع شركات عقارية كبرى، رغم بداياته الزراعية التي تهدف إلى زيادة الرقعة الزراعية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وأكد المصدر أن مشروع “جريان” سيكون من أوائل المشاريع العقارية الكبرى المدارة عبر شركة “مدن لإدارة الأصول”، حيث ستتولى مهام التطوير بشكل مباشر مع شركات مثل بالم هيلز ونيشنز أوف ذا سكاي، وتشمل مهام “مدن” متابعة المبيعات والتسويق وصيانة وتشغيل البنية التحتية.
أسند جهاز مستقبل مصر لـ”مدن لإدارة الأصول”، مهمة تنظيم محفظته من الأصول العقارية، ووضع خطط مستقبلية لتحقيق الاستخدام الأمثل للأراضي المملوكة له، مما يحوّلها إلى أداة استراتيجية لإدارة المشاريع، مع التركيز على مشاريع ضخمة مثل “جريان”، التي تمتد على 6.8 مليون متر مربع وتضم 20,000 وحدة سكنية فاخرة.
يعتبر التحول خياراً استراتيجياً جديداً لجهاز مستقبل مصر، في ظل تراجع الربحية من مشروعاته الزراعية، مما يتيح له القدرة على الاستثمار بشكل مستقل في العقارات والمشاريع السكنية، وتوقيع عقود بدون الحاجة إلى رقابة الدولة، حيث أصبح لديه القدرة على إدارة أراضٍ شاسعة وفق رؤية استراتيجية تدعم مشاريعه الكبيرة.
وأشار خبير تمويل واستثمار لـ”العربي الجديد” أن هذه التحولات تعكس رغبة جهاز مستقبل مصر في نقل جزء من استثماره الزراعي إلى العقاري، تأميناً لعوائد مالية أكبر، واستغلال الشراكات مع القطاع الخاص في تسويق المشاريع بكفاءة، مضيفاً أن “مدن لإدارة الأصول” تسعى لتصبح لاعباً مركزياً في الساحة الاقتصادية.
حسب معلومات وكالة رويترز، أبرم جهاز مستقبل مصر صفقات لتأمين احتياجات البلاد من القمح عبر مناقصات مباشرة، مع التركيز على التعاقد مع روسيا لتوفير 1.2 مليون طن، وتأكيده على شراء نحو 4 ملايين طن من القمح المحلي، مما أثار قلق الموردين الدوليين نظراً لعدم وضوح تفاصيل عمليات الشراء.
توسع مقلق
في حديث مع “العربي الجديد”، أعرب رجال الأعمال ورئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية عمر مهنا عن تخوفاتهم من تنامي دور الأجهزة السيادية في الاقتصاد، في وقت يُتوقع أن يتحمل فيه القطاع الخاص مسؤوليات الاستثمار وتوفير الوظائف، مشيراً إلى أن 70% من السيولة في البنوك موجهة للجهات الحكومية، مما يعيق قدرة القطاع الخاص على المنافسة، ويؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.
أظهر تقرير حديث للمركز المصري حول أداء الأسواق المالية أن هناك تباطؤاً في سوق المال، بسبب خروج تدريجي للاستثمارات الأجنبية، وبالتوازي مع زيادة الطلب على السيولة قصيرة الأجل، مما أثر سلباً على الشركات الصغيرة، نتيجة تكاليف التمويل المرتفعة وصعوبة تأمين مدخلات الإنتاج، حيث تعاني الشركات الخاصة من تأخر الحكومة في سداد ديونها، مما يعكس تحديات اقتصادية كبيرة متزايدة.
