في مشهد يفوق الخيال، يعاني اليمن من وضع اقتصادي فريد، حيث يتحول إلى الدولة الوحيدة عالمياً التي تستخدم عملتين منفصلتين تماماً، مما يؤدي إلى اختلاف كبير في الأسعار، إذ يمكن لنفس المبلغ أن يشتري طعاماً لأسبوع في منطقة، وثلاثة أسابيع في منطقة أخرى، مع فارق مذهل يصل إلى أكثر من 300% في قيمة الدولار الواحد، مما يزيد من تعقيدات الأزمة الاقتصادية مع مرور كل يوم.
أحمد التاجر، 45 عاماً، يواجه تحديات يومية وهو يقف أمام محل الصرافة في عدن، حيث يحمل آخر دفعة من بضاعته المستوردة من السعودية، ويقول بحيرة واضحة: “لا أعرف بأي سعر أحسب تكلفة بضائعي، الريال السعودي الواحد يساوي 425 ريال يمني هنا، لكنه 140 فقط في صنعاء”، مؤكداً أن الفرق يصل إلى 285 ريال يمني لكل ريال سعودي، مما يعني أن التاجر في مناطق الحكومة يدفع أكثر من ضعف ما يدفعه نظيره في مناطق الحوثيين.
قد يعجبك أيضا :
هذا الانقسام النقدي ليس جديداً، بل هو نتيجة لتطور خطير منذ عام 2017، عندما تحولت الأزمة السياسية إلى كارثة اقتصادية حقيقية، حيث أدى منع تداول الطبعات الجديدة من العملة في مناطق الحوثيين إلى خلق اقتصادين منفصلين في بلد واحد، مثل انقسام ألمانيا الشرقية والغربية، لكن بطرق أكثر تعقيداً واستدامة، ويقول الدكتور محمد، أستاذ الاقتصاد النقدي: “الانقسام النقدي يعكس عمق الأزمة السياسية والحاجة لحل شامل قبل انهيار كامل للاقتصاد.”
تتجلى المأساة الحقيقية في تأثير هذا الوضع على الحياة اليومية لملايين اليمنيين، حيث يقول سعد المغترب، 42 عاماً، الذي يعمل في السعودية: “أصبحت محتاراً أين أرسل الحوالة وبأي سعر، أهلي في صنعاء يحتاجون المال لكن القيمة تختلف تماماً”، وتصف فاطمة، المصرفية في عدن، الحالة اليومية قائلة: “تبدو عيون المواطنين القلقة وهي تتابع أسعار الصرف على الشاشات، وكأنهم يتابعون نتائج مباراة مصيرية”، في محلات الصرافة المزدحمة، يمتزج عبق الأوراق النقدية مع عرق القلق، بينما تتصاعد أصوات آلات عد النقود وسط همهمات التجار وهم يحسبون أرباحهم وخسائرهم.
قد يعجبك أيضا :
السؤال المقلق يبقى معلقاً في الهواء: كم من الوقت يمكن لبلد أن يعيش بقلبين نقديين ينبضان بإيقاعين متضادين؟، كل يوم من هذا الاستمرار يعني تعميق الفجوة وصعوبة أكبر في لم شمل الشعب الواحد مجدداً، فالوحدة النقدية تحتاج إلى وطن موحد، وهذا الوطن الموحد يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وهي معادلة صعبة في زمن تتمزق فيه الأوطان قبل عملاتها.
