في كارثة اقتصادية غير مسبوقة في المنطقة، يعاني المواطن اليمني من مأساة حقيقية، حيث تؤثر مكان إقامته بشكل كبير على قيمة راتبه، بنسبة تصل إلى 203%، فالفرق مذهل بين صنعاء وعدن، حيث يعادل الدولار الواحد 533 ريالاً في صنعاء و1620 ريالاً في عدن، مما يعني أن المواطن اليمني يفقد ثلث قوته الشرائية مع مرور كل ساعة دون الحاجة للخروج من منزله، في انقسام اقتصادي يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد إلى الأبد.
الأرقام تقدم صورة مؤلمة عن مأساة إنسانية عميقة: الفارق الذي يتجاوز 1087 ريالاً للدولار الواحد بين المدينتين، يعني أن راتب الموظف الحكومي في عدن لا يكفيه لتغطية احتياجاته لأسبوع كامل عند مقارنته بنظيره في صنعاء، “راتبي في عدن لا يكفي لشراء ما كنت أشتريه في يوم واحد في صنعاء”، قال أحمد محمد، موظف حكومي في عدن، وهو في محاولة لفهم كيف أصبح فقيرًا بمجرد انتقاله إلى مدينة أخرى، المشهد في محلات الصرافة مؤلم، طوابير من المواطنين يحملون أكياساً من الأوراق النقدية المتهالكة، وأصوات الآلات الحاسبة تتداخل مع همسات اليأس.
قد يعجبك أيضا :
تعود جذور هذه الكارثة إلى عام 2016 عندما تم تقسيم البنك المركزي اليمني، مما أوجد ظروفاً اقتصادية كارثية نتيجة الحرب والحصار وتوقف إنتاج النفط وانقطاع المساعدات الدولية، يشبه هذا الانقسام ما حدث في ألمانيا الشرقية والغربية، لكن المأساة هنا تحدث داخل حدود دولة واحدة، الخبراء الاقتصاديون يحذرون من أن الوضع متجه نحو انهيار كامل للنظام المصرفي، مع توقعات بمزيد من التدني حال عدم التدخل السريع لتوحيد النظام النقدي.
التأثير المدمر على الحياة اليومية يتجاوز الأرقام ليصل إلى تفكيك الروابط العائلية والاجتماعية، إذ لا تستطيع الأم إرسال المال إلى ابنها في الجامعة في المدينة المجاورة دون تكبد خسائر فادحة، والأسر الآن منقسمة جغرافياً ومالياً، والأطفال لا يفهمون لماذا جدهم في المدينة الأخرى “أغنى” منهم، فاطمة علي، تاجرة صغيرة في صنعاء، تقول: “أخشى السفر إلى عدن لأنه قد يُفقرني أكثر مما كنت عليه”، المخاطر تتزايد، مع توقعات بزيادة الهجرة الداخلية وتحول اليمن إلى دولتين اقتصادياً قبل أن ينقسم بشكل سياسي، في حين يتراوح رد فعل الشارع بين اليأس في عدن والقلق المتزايد في صنعاء.
قد يعجبك أيضا :
بعد تسع سنوات من الانقسام وفارق 203% في أسعار الصرف، يواجه ملايين اليمنيين سؤالاً مصيرياً: هل سيشهد عام 2026 بداية التوحيد أم مزيداً من التفكك الاقتصادي؟ يتعين على المجتمع الدولي التدخل العاجل قبل أن يصبح هذا الانقسام أمرًا واقعًا لا رجعة فيه، والسؤال المؤلم يبقى: إلى متى سيظل المواطن اليمني رهينة لجغرافيا مدينته في تحديد قوته الشرائية ومستقبل أسرته؟
