في تحول يعيد تشكيل التاريخ، تشهد مكة المكرمة أكبر مشروع عمراني منذ 1,400 عام، يمتد على 12 مليون متر مربع، وهي مساحة تفوق دولة الفاتيكان بـ 16 مرة، وإمارة موناكو بـ 6 مرات ونصف. مشروع “بوابة الملك سلمان” لا يكتفي بتنظيم الشوارع فقط، بل يعيد رسم خريطة الحياة حول أقدس بقعة على وجه الأرض، التطوير جارٍ الآن، والعد التنازلي بدأ لمكة جديدة لن نعرفها كما كانت أبداً.
وسط ضجيج الرافعات التي تعمل ليل نهار، ترتفع من الأرض مدينة سماء جديدة تضم 45 برجاً شاهقاً يلامس أعلى منها السحاب، بينما تمتد أسفلها ممرات مكيفة كأنهار من الضوء الذهبي، لتُرشد أكثر من 100 ألف حاج ومعتمر في لحظة واحدة، المهندس فيصل النماري، الذي يقود فريق التصميم المعماري، يُعبر عن انبهاره بالمشهد: “نحن نشهد ولادة إعجاز معماري حقيقي يجمع بين عظمة التراث الإسلامي وسحر التكنولوجيا المستقبلية.” أم محمد، التي سكنت قرب الحرم لأربعين عاماً، تقف أمام النوافذ المرتجفة من هول المنظر: “لا أصدق عيني… إنها مكة أخرى تماماً.”
قد يعجبك أيضا :
هذا التحول الجذري يكسر نمطاً استمر لعقود من التوسعات الداخلية التي شهدها الحرم في عهود الملوك السعوديين المتعاقبين، فبينما ركزت توسعات الملك فهد والملك عبد الله على زيادة المساحة داخل الحرم ذاته، يتخذ مشروع بوابة الملك سلمان منحى ثورياً مختلفاً: إعادة صياغة المجال العمراني الخارجي بالكامل، د. عبد الله الحربي، أستاذ العمارة الإسلامية، يؤكد: “هذا المشروع أعظم من مجرد توسعة، إنه إعادة تعريف لمفهوم المدينة المقدسة في القرن الحادي والعشرين.” التقديرات تشير إلى تحول يضاهي إعادة بناء قلب نيويورك بالكامل، لكن حول أقدس مكان في الإسلام.
قد يعجبك أيضا :
الحاج عبد الرحمن من إندونيسيا، الذي زار مكة 15 مرة خلال 30 عاماً، يروي تجربته الأخيرة بدهشة مُتدفقة: “دخلت من الممرات الجديدة المغطاة، أرضيتها من الرخام البارد تلطف حرارة القدمين، وتكييفها المخفي ينعش الروح… شعرت وكأنني أمشي في جنة على الأرض.” هذا المشروع لا يُغيّر المباني فقط، بل يُعيد تعريف تجربة الحج والعمرة لملايين المسلمين الذين سيتدفقون سنوياً عبر ساحات عامة ممتدة ومواقف ذكية ومحاور ربط متدرجة تُحوّل الحشود العشوائية إلى تدفق منظم كأنغام سيمفونية روحانية، خبراء التطوير يتوقعون أن تصبح مكة نموذجاً للمدينة الذكية الإسلامية التي تحتذي بها العواصم حول العالم.
قد يعجبك أيضا :
مع اكتمال هذا الإنجاز التاريخي، تقف مكة على أعتاب عصر جديد يمزج بين عظمة التراث وسحر المستقبل، 12 مليون متر مربع من الأرض المقدسة تتحول إلى منارة حضارية تستوعب أحلام المليارات وتخدم ضيوف الرحمن بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، لكن السؤال الذي يُؤرق القلوب ويشغل العقول يبقى معلقاً في هواء مكة العليل: هل ستحافظ مكة الجديدة على روحانيتها الخالدة وسط هذا التطور المذهل الذي يعيد تشكيل معالم الأرض المقدسة؟
