«المعركة الدائرة: هل تفتح الحرب في السودان أمام الرياض فرصاً لدور إقليمي أكبر؟»

«المعركة الدائرة: هل تفتح الحرب في السودان أمام الرياض فرصاً لدور إقليمي أكبر؟»

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، تعهّد ترامب بحلّ الأزمة السودانية استجابة لطلب مباشر من ولي العهد السعوديArticle Information

    • Author, نسرين حاطوم
    • Role, مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
  • قبل 3 ساعة

الأزمة السودانية في أياد أمريكية، هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حين صرح بأن بلاده ستتدخل لإنهاء الأزمة السودانية، استجابة لطلب مباشِر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى واشنطن.

وفيما يتعلق بالطلب السعودي، أشار رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، إلى أن الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض، سبقَتها تسريبات تفيد بأن محمد بن سلمان يعتزم طرح الملف السوداني أمام ترامب ومنحه أولوية خاصة، في الجهود المبذولة لتحريك الجمود القائم.

وأضاف ميرغني في اتصال مع بي بي سي عربي، أن هذا التوجه يأتي رغم تعدّد الوساطات السابقة، بما في ذلك تلك التي شاركت فيها الولايات المتّحدة، دون تحقيق أي تقدّم ملموس خلال السنوات الماضية، حسب تعبيره.

فما هي دوافع السعودية لطلب التوسّط من ترامب في الأزمة السودانية، علماً أن البلدين عضوان في اللجنة الرباعية حول السودان، التي تضم أيضاً الإمارات ومصر، والتي تأسست عام 2025 بهدف تنسيق جهود إنهاء الحرب ودعم عملية سياسية تؤدي إلى تسوية شاملة وحكومة مدنية؟

السعودية وأهمية البحر الأحمر

تُدرك السعودية أن استقرار السودان، المطلّ على البحر الأحمر، يشكّل عنصراً جوهرياً في معادلة الأمن الإقليمي، نظراً لموقعه على ممر تتقاطع فيه اعتبارات الأمن والاقتصاد والجغرافيا السياسية.

فالجانب الأمني يرتبط بحماية أحد أهم طرق الملاحة الدولية وضمان سلامة السفن التجارية وإمدادات الطاقة، بما يمنع أي اختلال قد يعيد تشكيل موازين النفوذ في المنطقة.

وعلى المستوى الاقتصادي، يمثّل البحر الأحمر شرياناً حيوياً لمشاريع رؤية السعودية 2030، من تجارة النفط إلى الاستثمارات الصناعية والسياحية على الساحل الغربي، وصولاً إلى دوره في ربط المملكة بالأسواق العالمية عبر الموانئ والمناطق الاقتصادية الحديثة.

أما جيوسياسياً، فيوفّر هذا الممر منصّة لتعزيز حضور الرياض في القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، خاصة في ظل اشتداد منافسة القوى الإقليمية والدولية.

وضمن هذا التشابك بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، يتجاوز البحر الأحمر كونه مجرد حدود بحرية ليغدو إحدى أدوات السعودية في تعزيز موقعها وصياغة توازنات جديدة في محيطها الإقليمي.

الكاتب السعودي، عبد العزيز منيف بن رازن، اعتبر أن الموقع الجغرافي للسودان على البحر الأحمر جعل المملكة تنظر إلى الأزمة السودانية باعتبارها أولوية استراتيجية، محذّراً من أن استمرار الحرب يهدّد أمن الملاحة في واحد من أهم الممّرات البحرية العالمية.

وأوضح بن رازن في مقابلة مع بي بي سي عربي، أن البحر الأحمر يمثّل ركيزة أساسية للمصالح السعودية، خصوصاً أنه معبر لجزء كبير من تجارة الطاقة العالمية، وفي مقدّمتها النفط السعودي.

ملف السودان: من الوساطة الوزارية إلى الدعم الرئاسي

إلى جانب الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، يبدو أن السعودية تهدف إلى إبراز دورها في السودان كقوة دبلوماسية تحظى بالشرعية الدولية، ما قد يمنحها قدرة أكبر على التأثير في الأطراف المتنازعة مع الحفاظ على صورتها كوسيط نزيه بعيداً عن أي اتهامات بمحاولة فرض السيطرة المباشرة.

وفي هذا السياق، أوضح رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، أن سعي ولي العهد السعودي لرفع مستوى التعامل مع الملف السوداني من إطار اللجنة الرباعية إلى مستوى أعلى يعود إلى كون الرباعية تعمل ضمن نطاق وزراء الخارجية.

وقال إن تقديم محمد بن سلمان هذا الطلب للرئيس ترامب يمثّل محاولة لتحويل الملف من مستوى التعامل الوزاري إلى مستوى الرئاسة، معتبراً أن ولي العهد نجح في ذلك بالفعل، إذ انتقل الموضوع من كونه شأناً تديره الوزارات المعنية إلى ملف يحظى باهتمام مباشر من القيادة العليا، دون إدخال تغييرات على هيكلة اللجنة الرباعية أو على مبادرتها الأساسية.

صدر الصورة، AFP via Getty Images

التعليق على الصورة، السعودية تسعى إلى إبراز دورها في السودان كقوة دبلوماسية تحظى بالشرعية الدولية

وتأتي الخطوة السعودية في سياق رغبة الرياض في اعتماد استراتيجية مزدوَجة:

تعزيزُ شرعية دورها الدولي والإقليمي كجهة قادرة على إدارة أزمات المنطقة من جهة، ومنحُها أداة ضغط إضافية للتفاوض مع أبو ظبي من جهة ثانية، بما يضمن مصالح المملكة بعيداً عن فلك الإمارات المتّهمة من قبل الجيش السوداني بدعم قوات الدعم السريع رغم نفيها المتكرّر، إلا أن قراءات أخرى لا تضع الموقف السعودي الأخير في هذه الخانة.

فقد استبعد الكاتب السعودي عبد العزيز منيف بن رازن وجود أي خلافات بين الرياض وأبوظبي بخصوص السودان، على الرغم من وجود ما سمّاها “تباينات في وجهات النظر التي لا ترقى إلى مستوى الخلافات”.

في السياق ذاته، أوضح رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، عثمان ميرغني، أن السعودية تسعى لحلّ الأزمة السودانية عبر الوسائل المتاحة حالياً، بما في ذلك مبادرة الدول الأربع الأعضاء في اللجنة الرباعية، معتبراً أن جهود هذه الدول تصبّ في صالح الملف السوداني وقد تؤدي إلى إيجاد حلّ للأزمة.

ورداً على سؤال لبي بي سي عما إذا كان الطلب السعودي لواشنطن بالتدخّل في الأزمة السودانية يترجم رغبة سعودية بتحييد بعض الأطراف عن الملف السوداني ومن بينها الإمارات، أشار ميرغني، إلى أن استبعاد بعض الدول من اللجنة، في إشارة إلى الإمارات، قد يشكّل عائقاً أمام التوصّل إلى اتفاق بدلاً من تسريع العملية السياسية.

وأضاف أن الدور السعودي يقتصر على تسريع عملية التعامل مع الأزمة، ورفع مستوى الجهات المسؤولة عن إدارتها، بهدف التوصّل إلى حل سريع، وتوقّع أن يكون هذا التحرّك مبنياً على خارطة الطريق المتّفق عليها بين دول اللجنة الرباعية، والتي تتضمّن هدنة لمدة ثلاثة أشهر، تليها عملية سياسية تمتد لتسعة أشهر، معتبراً أنها الخطة الوحيدة المطروحة للتعامل مع الأزمة السودانية، كما توقّع ميرغني أن تلقى هذه المبادرة مزيداً من الاهتمام من الجانب الأمريكي في المرحلة المقبلة.

السعودية و “الدبلوماسية الشبكية”

لا يمكن النظر إلى الطلب السعودي بإشراك الولايات المتّحدة في حلّ الأزمة السودانية كتحرّك مرتبط بالسودان وحده، بل كجزء من رؤية أوسع تسعى من خلالها الرياض إلى إعادة تموضعها داخل المشهدين الإقليمي والدولي.

فالمملكة، التي تعتمد في السنوات الأخيرة سياسة خارجية تقوم على المرونة وتنوّع الشراكات، تعمل على تطوير نموذج جديد لإدارة الأزمات يقوم على “الوساطة متعدّدة الأطراف”، بما يتيح لها الاستفادة من ثقل القوى الكبرى من دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع أي طرف متنافس في المنطقة.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، السعودية تطوّر نموذجاً جديداً لإدارة الأزمات يقوم على “الوساطة متعدّدة الأطراف”

هذا التوجّه يعبّر عن رغبة سعودية في الانتقال من دور المتلقّي لتداعيات الأزمات إلى دور صانع التوازن فيها.

ويشكّل الملف السوداني، بتشابكاته الأمنية والجيوسياسية المرتبطة بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي، ساحة مناسبة لاختبار هذا الدور وتعزيز صورة المملكة كقوة قادرة على إدارة الملفّات الحسّاسة بالتنسيق مع واشنطن، كما يعكس هذا النهج ميل الرياض إلى بناء “تحالفات مرنة” تتيح لها استخدام الانخراط الأميركي في السودان كأداة لتوسيع مجال نفوذها وترسيخ موقعها كوسيط محوري في قضايا المنطقة، لا مجرّد طرف متأثّر بتطوّراتها.

وعلى هذا الأساس، يتجاوز التحرّك السعودي حدود التعامل مع أزمة بعينها، ليبرز كتعبير عن توجّه استراتيجي أعمق نحو صياغة دور جديد للمملكة، عبر تبنّي “دبلوماسية شبكية” قائمة على تعدّد قنوات التواصل وتعزيز مكانتها كجسر بين القوى الدولية والفاعلين الإقليميين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *