فى الأيام الأخيرة، انتشرت مجموعات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لا شغل لهم سوى الهجوم والتفاخر والعصبية المفرطة، كما قال النبي المكي، حيث يفخر بعضهم بمصر ويهينون الدول العربية الأخرى، بينما يهاجم آخرون مصر تفضيلًا لوطنهم أو مجانًا دون سبب.
أصوات معتدلة
فى المقابل، برزت أصوات معتدلة تعبر عن خطاب متوازن بين الطرفين، حيث امتدح الخليجيون الأصل المصري الطيب، وكرم الضيافة الذي لا يغلق بابه، وبدوره امتدح المصريون النخوة الخليجية وكرم الأخلاق، ودعمهم لمصر في الأوقات الصعبة سراً وعلانية، لكن فى النهاية، لا يحق لأحد لوم الآخر في الفخر بوطنه، فمن يقلل من وطنه هو “ابن حرام مصفي”.
لماذا تبقى مصر الكبيرة؟
ولكن بين المتطاولين والممتدحين، يبرز السؤال الأهم: لماذا كانت مصر دائمًا وستظل هي الكبيرة؟ يجب مناقشة هذه المسألة بشكل حضاري، يستند إلى مقاييس يمكن القياس عليها، وليس إلى الأهواء الشخصية، مع عدم تفضيل جنسية على أخرى أو عرق على عرق، بدءًا من التراكم المعرفي والسياسي والاجتماعي والعسكري، وصولًا إلى الخبرة العلمية والحضارية والعمرانية.
الموقع الجغرافي
إذا كانت كل دولة تستمد مميزاتها من موقعها الجغرافي، فإن موقع مصر يتفوق على جميع مواقع دول الشرق الأوسط، لأنها “تتوسط” جميع هذه المواقع، فلا هي أقرب إلى الشرق الأقصى ولا الشرق الأدنى ولا المغرب العربي، بل تظل مصر بين الجميع، ليست مع أحد ضد الآخر.
التاريخ والحضارة
وإذا كانت الدول تستمد عظمتها من تاريخها وما شهدت، ومن أرضها وما تحملت، ومن سمائها وما أظلت، فإن الفخر موجه إلى مصر، لأنها مبتدأ التاريخ والحضارة، وهذا ليس شيفونية، بل واقع مثبت وفق مقاييس علم التاريخ والعلوم الإنسانية، من يرغب في النقاش يجب أن يستند إلى الأدلة وليس الأهواء.
دعم العرب والأفارقة
إذا اعتبرنا أن الفخر يأتي من آخر 100 عام، فهذا مقياس يجرى صنعه ليتناسب مع بعض الدول، وإن سلمنا به، سنجد أن مصر كانت ولا تزال تدعم الأشقاء العرب والأفارقة، وليس تفضلاً، بل هو وعي تاريخي بالعمق الاستراتيجي ووحدة المصير.
دور الشيوخ في نهضة الخليج
كما أدرك الشيوخ الذين قادوا نهضة الخليج هذا الدور، وأكدوا على أهمية العمق الاستراتيجي، ما نتج عنه إنشاء جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة التعاون الخليجي، ودعم جميع الدول العربية، وعلى رأسها مصر، هذا الوعي هو ما ساعد في نهضة الخليج، بينما غيابه يضر أبناء الخليج ويهدد حاضر نهضتهم.
سبب مصر الكبيرة
لكن السبب الحقيقي وراء كون “مصر كبيرة” يتمحور حول نقطتين رئيسيتين، الأولى، أنها تعرضت مرارًا للخيانة من الكثير من الدول، لكنها لم تعاقبهم، بل تستضيفهم دائمًا في المحن، وتقف بجانبهم دون شروط.
صنع المعجزات
أما السبب الثاني والأهم، فهو أن مصر تصنع المعجزات حتى في أسوأ أحوالها، فالاقتصاد أو السياسة أو المجتمع لم يكن في أوج عظمته حين واجهت الصليبيين أو قاومت العثمانيين أو الفرنسيين أو الإنجليز، بل في كل عصورها المجيدة كانت تصنع المعجزات في أحلك الظروف.
