القاهرة (زمان التركية)ــ يأتي كتاب يوسي كوهين “سيف الحرية” مُغلفًا بالهالة التي اكتسبها خلال سنوات عمله في الموساد، كعميلٍ تنقل بين العمليات السرية والغرف السياسية رفيعة المستوى، يُقدّم الكتاب كمذكرات في التجسس وإدارة الأزمات، وهو في الواقع وثيقة سياسية من صياغة افتراضات وغرائز رجل قضى عقودًا في قراءة الشرق الأوسط من منظور أمني.
مصر في السرد الإقليمي
تحتل مصر مكانةً غير مألوفة بين الأطراف الإقليمية التي يناقشها كوهين، فهي لا تظهر كثيرًا، ولكن عندما تظهر، يُغيّر وجودها مسار السرد.
العلاقات المصرية الإسرائيلية
إن تعامل كوهين، رئيس الموساد السابق، مع القاهرة، والرئيس عبد الفتاح السيسي على وجه الخصوص، يسلط الضوء على نقطة نادراً ما يتم الاعتراف بها في الكتابات الاستراتيجية الإسرائيلية، وهي أن قرارات مصر يمكن أن تحدد حدود طموحات إسرائيل.
التهديدات الحالية للوجود الإسرائيلي
يتناول كوهين اللحظة الحالية التي تعيشها إسرائيل من خلال عدسة مألوفة، بلد يواجه تهديدات وجودية، محاط بجهات عدائية، ومضطر إلى الاعتماد على قوته الخاصة.
مصر كفاعل رئيسي
تشكل هذه النظرة للعالم تصور كوهين للدول العربية، فكثير منها، في روايته، ساحات نفوذ أو شركاء مؤقتين، حيث يمكن للدبلوماسية والاستخبارات الإسرائيلية تغيير موازين القوى، ولكن هذا لا ينطبق على القاهرة.
مبادرة كوهين خلال حرب غزة
المقطع الأكثر كشفًا في الكتاب يتعلق بمبادرة كوهين في بداية حرب غزة، حيث صاغ مقترحًا لإنشاء ممر إنساني واسع من غزة إلى سيناء، في مواجهة احتمال التعرض لانتقادات دولية بسبب الخسائر البشرية الكبيرة بين المدنيين، وعندما أصرّ أنه مؤقت، كان يتطلب التنسيق مع القوى الكبرى، مستعدًا للسفر إلى واشنطن ولندن وطوكيو وبكين ونيودلهي للحصول على ضمانات مكتوبة.
الرفض المصري وتأثيره
ومع ذلك، يعترف كوهين بأن كل هذه الجهود كانت تتوقف على قرار واحد، كما كتب في الجملة الأكثر أهمية في الكتاب، “في نهاية المطاف، رفض الرئيس السيسي المبادرة”؛ يُعرض الرفض بوضوح، دون أي تجميل، وتداعياته واضحة، حيث كان بإمكان إسرائيل الحصول على دعم الولايات المتحدة وعدة قوى عالمية أخرى، ولكن الخطة باءت بالفشل لحظة رفض القاهرة.
مصر كسبّاق استراتيجي
لا يتم التعامل مع موقف مصر في رواية كوهين باعتباره عقبة يجب التفاوض بشأنها، بل هو قرار سيادي يحمل في طياته النهاية، حيث فهم المسؤولون المصريون المنطق وراء اقتراحه، لكنهم خشوا من أن ما وصفه بالنزوح المؤقت قد يتحول إلى نزوح دائم.
فهم كوهين للقيادة المصرية
يصف كوهين لقاءاته مع الرئيس السيسي بالوضوح والموضوعية، ويشير إلى عباس كامل كمستشار مؤثر، متجنبًا التلميحات النفسية أو الأحكام السياسية، ما يُظهر درجة من المسافة في تعامله مع القيادة المصرية، مما يوحي بأنها تقع خارج دائرة الجهات الفاعلة التي تعتقد إسرائيل أنها تستطيع تشكيلها.
عضوية مصر في مجموعة البريكس
إشارة كوهين إلى عضوية مصر في مجموعة البريكس الموسعة تُعزز هذه النقطة، بالرغم من أنها ليست موضوعًا رئيسيًا في روايته، إلا أنها تُشير إلى إدراك القاهرة للعمل في بيئة دولية أوسع، حيث نفوذ إسرائيل محدود.
نقاط التحول في السرد
مع عودة السرد إلى حرب غزة، يشعر القارئ بأن نقطة التحول بالنسبة لكوهين لم تكن الفشل الاستخباراتي المحيط بـ 7 أكتوبر/تشرين الأول فحسب، بل أيضًا الحقيقة الدبلوماسية المتمثلة في أن إسرائيل لا تستطيع تنفيذ استراتيجيتها المفضلة دون موافقة مصر.
السياق الإقليمي الجديد
إن “الشرق الأوسط الجديد” الذي يسعى كوهين إلى وصفه، والذي بُني حول التحالفات المتغيرة، والتعاون التكنولوجي، وإعادة ترتيب التحالفات في الخليج، يلتقي بالحدود عندما يصبح أمام حدود مصر.
قيمة كتاب “سيف الحرية”
بالنسبة للقراء المصريين، فإن قيمة كتاب “سيف الحرية” لا تكمن في إعادة سرد الأزمات الإقليمية المألوفة، بل في النظرة الخاطفة التي يقدمها عن كيفية تفسير المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لخيارات القاهرة، حيث أن مصر التي يخرج بها الكتاب ليست مجرد لاعب سلبي يستجيب للضغوط الخارجية، بل هي دولة تحدد حدود ما يمكن للآخرين القيام به.
الأطر الإقليمية المهيمنة
في هذا السياق، يعدد كوهين عدة قوى يعتقد أنها ستُشكل المنطقة في السنوات القادمة، كقيادة الخليج، والسياسة الأمريكية، والطموحات النووية الإيرانية، ومع ذلك، يُعتبر تدخله الأكثر حسمًا هو سطر قصير يعترف فيه برفض مصر التعاون مع خطة اعتبرها أساسية.
تحليل مسألة السيادة
لا يُصوّر الكتاب هذا الأمر على أنه فشل دبلوماسي أو سوء فهم لمصر، بل يُقدّمه كواقع إقليمي، مما يجعل كتاب “سيف الحرية” أكثر فائدة بكثير مما قصده مؤلفه، حيث يُتيح نافذة نادرة على حدود القوة الإسرائيلية كما تُرى من داخل النظام الذي غالبًا ما يتخيل نفسه بلا قيود، ويُؤكد على أمرٍ أدركه المصريون منذ زمن طويل، وهو أن بلادهم تلعب دورًا مُستقرًا في المنطقة، ليس من خلال الخطابات أو الطموحات، بل بفضل قرارات ملموسة متجذرة في السيادة والاستراتيجية.
قصتان متداخلتان
يروي كوهين قصتين في آنٍ واحد، إحداهما قصة صمود إسرائيل، وخبرتها الاستخباراتية، ووضوحها الاستراتيجي، أما الأخرى، فهي قصة نظام إقليمي لا تزال مصر طرفًا حاسمًا فيه، وهذه القصة الثانية هي ما يعطي الكتاب أهميته الدائمة.
