«توترات جديدة بين إثيوبيا وإريتريا تثير القلق من تجدد النزاع»

«توترات جديدة بين إثيوبيا وإريتريا تثير القلق من تجدد النزاع»

أثارت حملة التصريحات العدائية في الأسابيع الأخيرة بين أثيوبيا وأريتريا، المخاوف من حدوث نزاع مسلح بين الدولتين الجارتين في القرن الإفريقي.

أدت مطالب أثيوبيا الخاضعة للعديد من التحديات لاحصولها على منفذ إلى البحر الأحمر، عبر أريتيريا، إلى حرب كلامية محتدمة بين الطرفين.

في عام 2023، صرح رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد، بأن الوصول إلى البحر الأحمر هو مسألة وجودية بالنسبة لأثيوبيا، بينما تجاهلت أريتريا تلك التصريحات.

تاريخ العلاقات بين البلدين مليء بالتوترات، إذ حصلت أريتريا على استقلالها بعد حرب دامية استمرت لعشر سنوات، في عام 1993، حين انفصلت عن أثيوبيا، وتملك حدودها شريط ساحلي بطول 1350 كيلومتر، ما ترك أثيوبيا بلا منفذ بحري، وأدى إلى اندلاع حرب برية عام 1998، أسفرت عن مقتل 100 ألف شخص.

ماذا قالت أثيوبيا؟

علن آبي وقائد الجيش، المارشال بيرهانو زولا، صراحة بأن أثيوبيا تعتبر ميناء عصب الواقع جنوبي أريتريا ملكاً لها، وأشارا إلى إمكانية استعادته بالقوة.

في الفاتح من سبتمبر، كشف آبي أنه “سيتم تصحيح” الخطأ الذي ارتكبته أثيوبيا بالتخلي عن الوصول إلى البحر الأحمر بعد انفصال أريتريا.

تحدث سفير أثيوبيا في كينيا، الجنرال المتقاعد باشا ديبيلي، عن ميناء عصب باعتباره “ثروة أثيوبيا”، مؤكداً على عودته “بالقوة”.

في 3 سبتمبر، قال إن “السؤال ليس ما إذا كان ميناء عصب لنا، بل كيفية استعادته”.

في 21 سبتمبر، خصص المارشال بيرهانو جولا حديثه لجنوده، محذراً من أن الحرب قد تكون نتيجة منع أثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر.

واستمر في طرح تساؤل حول كيفية تجاهل مصلحة 200 مليون نسمة لمصلحة مليونين، مشدداً على أهمية تعزيز القوات الدفاعية والتنمية وضمان الوصول إلى البحر.

في أواخر أغسطس، صرّح الجنرال تيشوم غيمويشو بأن ملكية أثيوبيا لميناء عصب أصبحت “مسألة بقاء”، مستعداً لدفع أي ثمن من أجل ذلك.

كما أكد الجنرال دستا أبشي، في اجتماع مع كبار الضباط، أن الجيش يعمل بلا هوادة لضمان الوصول إلى البحر الأحمر.

كيف ردت أريتريا؟

أمام تلك التهديدات، اقتصر رد أريتريا على نشر بيانات مختصرة عبر الموقع التواصل الاجتماعي أكس، من خلال وزير الإعلام يمان غبريمسكال، حيث وصف سعي أثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر بالمسعى “الخطير”.

في 16 سبتمبر، حذر من أن محاولة إضفاء الشرعية على “العدوان السافر” ستتسبب في عواقب وخيمة على أثيوبيا وجيرانها، مذكراً بأن ذلك يمثل “خطاً أحمر”.

وفي 13 نوفمبر، حذر قائد الجيش الأريتري القادة الأثيوبيين، مشدداً على أهمية تجنب دفع الشعب إلى مستنقع الحرب.

قال إن مصير من يتجاوز الخط الأحمر هو السقوط في جحيم تطول فترة خروجه منه.

ماذا يفعل الجيشان على الأرض؟

لا توجد مؤشرات على تحركات عسكرية كبيرة على الحدود بين البلدين، ولكن الحكومة الأثيوبية عرضت لقطات لتخرج آلاف الضباط في مراكز التدريب العسكري.

وذكر الجنرال هاشالو شيليمي، مدير الموارد البشرية في قوات الدفاع، أن الجيش في “وضع جيد”، حيث ينضم إليه “عشرات الآلاف” من الشباب، مما يعتبر “رسالة لأعدائنا”.

في 20 سبتمبر، قام الرئيس الأثيوبي، تايي آتسكي، بترقية 66 من كبار ضباط الجيش. ذكر تايي في هذه المناسبة أن جاهزية الجيش الأثيوبي “مكتملة”.

يعرض الجيش الأثيوبي أسلحته الجديدة خلال المناسبات الوطنية، بما في ذلك المدفعية والدبابات والعربات المدرعة، ولكن لم يصدر أي تعليق رسمي من أريتريا على هذه الاستعراضات العسكرية.

تمتلك أريتريا خدمة عسكرية إلزامية تستدعي آلاف الرجال والنساء كل عام للحصول على التدريب العسكري.

ذكرت قناة أستينا، المقربة من المعارضة، يوم 15 أكتوبر، أن الحكومة فرضت قيوداً على حركة الجنود، مطالبة إياهم بالبقاء في مواقعهم.

ماذا تقول وسائل الإعلام في أثيوبيا؟

تعزز وسائل الإعلام الرسمية في أثيوبيا ادعاءات الحكومة بأن البلاد “فقدت موانئها على البحر الأحمر بطريقة غير عادلة”، وتؤكد على ضرورة “استعادتها”.

تقوم قناة إي تي في ببث التعليقات حول “الفقدان الظالم” لمنافذ البحر الأحمر، وطرائق استعادتها، بالإضافة إلى عرض صور لمتظاهرين وجنود متخرجين رافعين لافتات تحمل عبارة “من السد إلى البحر”، إشارة إلى سد النهضة على نهر النيل، وعبارة “عصب لنا”.

تقول وسائل الإعلام المحلية إن الحكومة جندت رواد الإنترنت لنشر مزاعمها بشأن القضية، وفي 30 ديسمبر الماضي، ذكرت وسائل إعلام أثيوبية في الولايات المتحدة عن استخدام الحكومة “جيشاً إلكترونياً” مكوناً من 60 ألف شخص للدفاع عنها ونشر رسائلها.

ماذا تقول وسائل الإعلام في أريتريا؟

نُشرت تعليقات في وسائل الإعلام الأريترية الرسمية، وخاصة على التلفزيون، تتهم أثيوبيا بمحاولة “خداع العالم وإثارة الشكوك حيال قضايا تم تسويتها منذ عقود”.

في تعليق بثه التلفزيون يوم 11 أكتوبر، اتهم الحكومة الأثيوبية بإشعال نزاع جديد من خلال الشك في ما تم تسويته قانونياً نهائياً.

في 1 نوفمبر، أكدت وزارة الإعلام على أنه لا ينبغي لوم أريتريا على الصعوبات التي تواجهها أثيوبيا.

ويبدو أن تهديد أثيوبيا بأخذ ميناء عصب دفع بعض وسائل الإعلام الأريترية في الخارج التي تقاوم الحكومة إلى تغيير لهجتها، حيث دعت قناة أسينا مشاهديها والمعارضين الأريتريين إلى نسيان خلافاتهم السياسية والدفاع عن بلادهم.

نددت إذاعة إرينا، التي تبث من باريس، بتصريحات أثيوبيا المستفزة، وذلك في مارس آذار.

جذور التوتر بين أثيوبيا وأريتريا

منذ عام 1889 ولمدة خمسين عاماً، كانت أريتريا تحت إدارة المستوطنين الإيطاليين.

بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، انتقلت إدارتها إلى الجيش البريطاني، قبل أن تتخذ شكل اتحاد مع أثيوبيا.

لكن في عام 1962، ألغى الإمبراطور هيلي سيلاسي نظام الفيدرالية، ودمجت أريتريا في أثيوبيا.

أدى ذلك إلى حرب دامت ثلاثين عاماً، انتهت بهزيمة أثيوبيا في 1991، حيث وافق الأثيوبيون على الاستقلال في استفتاء شعبي عام 1993.

تحسنت العلاقات بين أديس أبابا واسمرة في التسعينات، لكنها توترت مرة أخرى بسبب نزاع حدودي أدى إلى حرب عام 1998.

وقع الطرفان اتفاق سلام في عام 2000، ولكن لم يتم تنفيذه بالكامل، واستمر التوتر حتى عام 2018، حين سعى آبي أحمد للحوار مع الرئيس الأريتري، أسياس أفورقي، وتوج ذلك بإعلان إنهاء الحرب، مما أكسب آبي جائزة نوبل للسلام.

تعاونت الحكومتان أثناء الحرب الأهلية الأثيوبية في منطقة تيغراي من 2020 إلى 2022، لكن التوترات عادت للظهور مرة أخرى بين البلدين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *