«تحديات جديدة في أفريقيا» انقسام السودان يعيد تشكيل استراتيجية ترامب للسلام ويهدد الاستقرار الإقليمي

«تحديات جديدة في أفريقيا» انقسام السودان يعيد تشكيل استراتيجية ترامب للسلام ويهدد الاستقرار الإقليمي

بينما تعتبر الأمم المتحدة النزاع القائم منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أسوأ كارثة إنسانية عالمية، اكتسبت الأزمة زخما دوليا متجددا في الأسابيع الأخيرة، مع تكثيف الولايات المتحدة وشركائها في “الرباعية” جهودهم لتعزيز تسوية سياسية.

لكن هذه المساعي تلقت ضربة قوية بعدما رفض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المقترح الأميركي، متهما واشنطن بالانحياز إلى خصمه محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

ورحب حميدتي بالمبادرة، وأعلن من جانب واحد عن هدنة لمدة ثلاثة أشهر، ما زاد من الضغط على الجيش الذي يعاني من تراجع ميداني بعد سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع، مما جعل البلاد منقسمة فعلياً بين الشرق والغرب.

ويرى الخبراء أن هذا الانقسام لا يبشر بانفراج قريب، بل ينذر بتعقيد أكبر، إذ يحذر المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، جوزيف تاكر، من أن الوضع الحالي يشكل “أزمة وجودية” للسودان، وقد يفتح الباب أمام تغييرات عميقة تؤثر على القارة الإفريقية بأسرها.

ويقول تاكر لصحيفة نيوزويك الأميركية: “إذا ترسخ تقسيم السودان، فسيكون ذلك تتويجاً لأكثر من 6 عقود من الصراع والمعاناة في دولة فشلت في إدارة تنوعها السياسي والاجتماعي”.

حدود جديدة… ومخاطر أكبر

منذ استقلاله في عام 1956، لم يعرف السودان الاستقرار طويلاً، وكانت الصراعات المتكررة سبباً في انفصال جنوب السودان في عام 2011، وفي تحويل دارفور إلى واحدة من أبرز بؤر المآسي الإنسانية على مستوى العالم.

وفي خضم آمال قصيرة بانتقال ديمقراطي عقب الإطاحة بعمر البشير في عام 2019، انهار الترتيب السياسي الهش بعد انقلاب 2021، لتنفجر مواجهة دامية بين البرهان وحميدتي في العام التالي.

وبعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب، تشير التقديرات إلى مصرع عشرات الآلاف، بينما نزح الملايين داخل السودان وخارجه.

وعلى الرغم من استعادة الجيش للخرطوم، فإن قوات الدعم السريع طورت قبضتها على دارفور وتزحف نحو كردفان، مما يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للبلاد.

ويقول كبير محللي إفريقيا في مشروع بيانات مواقع الصراع، لاد سرواط، لصحيفة نيوزويك الأميركية، إن خطوط السيطرة التي كانت سابقاً فسيفساء متداخلة “ترسخت هذا العام، ليصبح الشرق والوسط تحت سيطرة الجيش، مقابل نفوذ واسع للدعم السريع غرباً”.

حرب المسيرات

على الصعيد العسكري، رفع استخدام الطائرات المسيرة من وتيرة الصراع وحدته، إذ تستخدم قوات الدعم السريع طائرات مسيرة محلية الصنع لاختراق مواقع الجيش، بينما يعتمد الجيش على طائرات مسيرة من الخارج لمحاولة فرض سيطرة جوية.

وتسبب التحالفات المتبدلة بين الجماعات المسلحة داخل السودان في مزيد من الارتباك، مما يجعل حتى فكرة وقف إطلاق النار، إن تحققت، غير كافية لمنع تفاقم الانقسام الجغرافي والاجتماعي.

وحذرت تقارير من دخول تنظيم “داعش” على خط الأزمة، بعد دعوات أطلقها التنظيم لأنصاره للانتقال إلى السودان، مستغلاً الفوضى كما فعل في مناطق إفريقية أخرى.

مستقبل غامض… وجهود أميركية محفوفة بالتعقيد

ورغم تعقد المشهد، تحاول إدارة ترامب دفع جهود السلام، مستفيدة من تنسيقها مع الجيش والدعم السريع بالتعاون مع شركائها في “الرباعية”.

وأقرّ ترامب مؤخراً بأن الأزمة في السودان “لم تكن ضمن أولوياته”، لكنه أشار إلى أنه فهم حجم التحدي بعد لقائه ولي العهد السعودي الذي وصف حل الأزمة بأنه “أهم ما يمكن فعله”.

وتمسك البرهان برفضه للمقترح الأميركي بسبب بنود تقصي الإسلاميين، الذين يشكلون قوة قتالية رئيسية للجيش.

وقال الباحث لاد سرواط إن الإسلاميين يوفرون ما يصل إلى 20 ألف مقاتل للجيش، ما يجعل البرهان متردداً في الموافقة على اتفاق يقصيهم.

ومع غياب مؤشرات جدية نحو تسوية، يحذر المراقبون من أن استمرار الوضع الحالي قد يحول خطوط القتال إلى “حدود فعلية” تنشأ على جانبيها إدارات مالية وسياسية منفصلة، مما يهدد وحدة السودان واستقرار المنطقة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *