جلست زينة نصار، وبجوارها عدد كبير من الأوراق، تُحدّث والديها في غرفة المعيشة بمنزلهما في برلين، مستعدةً لتقديم شرح مُقنع للأسباب التي تبرر السماح لها بممارسة الملاكمة. كانت في الثالثة عشرة من عمرها فقط، لكنها، بعد مشاهدة تسجيلات على يوتيوب لملاكمات يتدرّبون، شعرت بارتباط فوري مع اللعبة، إيقاع الضربات على القفازات، ووقع اللكمات، والقوة في كل حركة. وتقول نصار، البالغة الآن 27 عاماً، لبي بي سي سبورت: “شاهدت تلك المقاطع مراراً وتكراراً. كنت أعرف أن هذا ما أريد فعله”. لذلك قدمت حججها ومبرراتها كما لو كانت محامية صغيرة تدافع عن مستقبلها، وتتذكر قائلة: “أخبرتهما أن الملاكمة ستساعدني في التركيز في المدرسة، وأنني سأتدرّب فقط في نادٍ قريب مخصص للفتيات، وأن الملاكمة تقوم على الاحترام والانضباط”. أُعجب والداها بما قالت، لكن إقناعهما كان الجزء الأسهل.
كيف أعادت نصار، المحجّبة، كتابة القواعد
في الرابعة عشرة فقط، ساهمت نصار في تغيير لوائح الملاكمة للهواة في ألمانيا لتتمكن من المنافسة بقمصان ذات أكمام طويلة وحجاب، ولكن عندما دخلت الحلبة لأول نزالٍ لها، والأدرينالين يتفجّر في عروقها، أحست بأن الأنظار تتجه نحوها، وتقول: “لاحظت أن كثيرين ينظرون إليّ، حتى إن بعضهم قال لي إنني لا يمكنني الملاكمة بهذا الشكل، فقلت: من فضلكم، لقد غيّرنا القواعد للتو”. لم أفهم الأمر، كان المفترض أن يتعلق الأداء بمدى مهارتي في الحلبة، لكن كثيرين كانوا ضد ذلك. تفوقت نصار في الحلبة وغيّرت مواقف كثيرين، فأصبحت بطلة برلين عدة مرات وحاملة ألقاب وطنية، وكل ذلك من دون أن تتخلى عن قناعاتها، ولكن عندما دعتها الجمعية الدولية للملاكمة (IBA) للمشاركة في بطولة أوروبا، واجهت عقبة جديدة، حيث كان الحجاب ما يزال محظوراً على المستوى الدولي. لذلك بدأت، في سن التاسعة عشرة، حملة للمطالبة بتغيير القواعد عالمياً، وتقول: “ألمانيا لم تكن تدعمني، لكنني كنت طموحة، أردت العدالة نفسها التي يحصل عليها أي رياضي آخر”. في عام 2019، أنهت الجمعية الدولية للملاكمة الحظر المفروض على الحجاب، أما الملاكمة الأولمبية فتخضع الآن لإدارة منظمة “وورلد بوكسينغ” التي تسمح أيضاً بالحجاب والملابس الكاملة. وتقول نصار: “بسببي، يمكن لأي امرأة في الملاكمة للهواة الآن أن تلاكم وهي ترتدي الحجاب وتكون كما تريد أن تكون، هذا هو أهم انتصار في مسيرتي”.
الحجاب في ملاكمة المحترفات – القواعد
أسهمت حملة نصار في إعادة تشكيل عالم الهواة، وفي عام 2017 لفتت انتباه شركة “نايكي”، لتصبح إحدى الوجوه لحجاب رياضي جديد من إنتاج الشركة، لكن ماذا عن عالم المحترفات؟ ما القواعد؟ وهل يمكن أن يشكل الحجاب خطراً؟ وهل يمنح أفضلية معينة؟ تواصلت بي بي سي سبورت مع عدد من الهيئات المنظمة والجهات المانحة للتصاريح، حيث تترك المنظمة العالمية للملاكمة (WBO) قرار الملابس للجان المحلية، بينما لا يمتلك الاتحاد الدولي للملاكمة (IBF) قواعد محددة تخص أغطية الرأس ذات الطابع الديني. يجيز مجلس الملاكمة البريطاني، الجهة المسؤولة عن ملاكمة المحترفين في المملكة المتحدة، ارتداء الحجاب المخصص للرياضة، بينما يقر رئيس الاتحاد الألماني للملاكمة، أوليفر فيتمان، بأن هناك حالات قليلة يمكن الاستناد إليها، لكنه يبدي قلقاً بشأن السلامة واحتمال انزلاق الحجاب أثناء النزال. وترد نصار على تصريحات فيتمان بخبرتها الشخصية، قائلة: “خضت نحو 100 نزال للهواة، ولم يسبب الحجاب أي مشكلة”، ويجمع الخبراء الطبيون على الرأي نفسه، ويقول البروفيسور مايك لوسمور، الذي عمل طبيباً لمنتخب بريطانيا للملاكمة: “الأمر ليس مشكلة على الإطلاق”، ويضيف: “الحجاب مصنوع من قماش خفيف ينفذ منه الهواء، ليست لدي أي مشكلة في ارتداء الملاكمات للحجاب، إنه آمن ولا يسبب أي مشاكل للملاكم أو للمنافس”.
باكستان: موقع غير متوقع لاستضافة بطولة تستمر أربعة أيام
لا تُعرف باكستان عادةً باحتضان بطولات عالمية للملاكمة، لكن من المتوقع حضور أكثر من 20 ألف مشجع في لاهور خلال أربعة أيام من نزالات المحترفين. وسيضم الحدث، المدعوم من حكومة إقليم البنجاب، مزيجاً من الملاكمين المحليين والدوليين، بينهم البريطانيون أليكس ديلماغهاني وجيمي كيلي وجيمس ميتكالف، وتصف نصار المشاركة في بلد إسلامي بأنها “شرف”. ويضيف كريس غلوفر، منظم الحدث البريطاني المنحدر من ليفربول: “الملاكمة للجميع، إذا أرادت زينة ارتداء الحجاب، فلتفعل، يمكنها حتى ارتداء قبعة رعاة البقر لو أرادت، إنها رائدة”. وسيكون في زاويتها أسطورة الملاكمة روي جونز جونيور، بطل العالم في أربعة أوزان سابقاً والذي أصبح مدرباً، وقد التقت نصار به لأول مرة قبل سنوات في فعالية للـ IBA. وتضحك قائلة: “لم أصدق أنني كنت أجلس بجانبه”، “ثم بدأ يُريني بعض الحركات ويقدم لي النصائح، وظللنا على تواصل، لقد علمني الكثير عن حركات الأقدام، وعن القوة، وعن الإيمان بالنفس”. تضع نصار لنفسها هدفاً جريئاً: أن تصبح بطلة عالم خلال ستة أو سبعة نزالات فقط، وبالنظر إلى العقبات التي تجاوزتها بالفعل للوصول إلى هذه المرحلة، فلا أحد يستبعد أن تنجح.
