«السوق تبحث عن انفراجة في ظل الركود ونقص السيولة»

«السوق تبحث عن انفراجة في ظل الركود ونقص السيولة»

سوق في القاهرة، مصر، 26 نوفمبر 2025 (العربي الجديد)

في ظل تخفيضات كبيرة ودعاية مكثفة على الطرق ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، يواجه موسم “الجمعة البيضاء” الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني ضعفاً في الطلب من المصريين، خصوصاً بين الطبقات المتوسطة والفقيرة، التي تمثل غالبية المستهلكين.

خلال جولة لـ”العربي الجديد” في أسواق العاصمة والمدن الكبرى المحيطة بها على مدار اليومين الماضيين، لوحظ أن معظم التوكيلات والمراكز التجارية تقدم خصومات ضخمة على الملابس والمفروشات والأجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية والعمرة، وحتى السيارات وقطع الغيار، بنسب تتراوح ما بين 10% إلى 70%، بينما تزايدت العروض الخاصة على الإنترنت، التي تنافست لتقديم السلع الاستهلاكية والمستلزمات الموسمية لفصل الشتاء، سعياً لتحفيز حركة الشراء في قطاع التجزئة، ومع ذلك، بدا الأمر خافتاً في معظم المتاجر بالمناطق الشعبية والمدن في أنحاء المحافظات.

سلع راكدة ونوعية سيئة

في لقاء مع مدير تسويق أحد سلاسل تجارة الأدوات المنزلية، قال سمير فتحي إن التخفيضات التي تقدمها شركته، التي تضم علامات تجارية محلية وأجنبية فاخرة، تهدف إلى الخروج من حالة الركود في المبيعات، والبحث عن بصيص أمل لجذب العملاء وسط تحديات عديدة، مؤكداً أن هذه الدوافع دفعت شركته لتقديم تخفيضات على منتجات ذات سمعة تاريخية تصل إلى 50% لأول مرة.

وعن عدم تطبيق الخصومات على جميع السلع، اكتفى فتحي بالتوضيح أن الخصومات على الأدوات الحديثة تبدأ من 5%، موضحاً أن معظم المنتجات التي يبيعها من أطقم صيني وكريستال وأدوات المائدة والمطبخ، تستورد بشكل كبير، وأن ما يُنتج محلياً يعتمد على استيراد معظم خاماته، التي تُدفع تكلفتها بالدولار الذي يتقلب صعوداً عند مستويات 54 جنيهاً في سوق الائتمان والمشتريات الخارجية.

أضاف فتحي أن التخفيضات الكبيرة تعكس المنتجات المتبقية من مواسم سابقة، ومن الصعب إدخالها ضمن حزمة جديدة، مشيراً إلى أن الخصم على المنتجات الجديدة يأتي من أرباحه المتوقع تحقيقها خلال الموسم، ومع ذلك، يبقى مستوى المبيعات دون المستوى المطلوب مع اقتراب “الجمعة البيضاء”.

في المقابل، لجأ موزعو المفروشات المنزلية للترويج لنوعيات جديدة من المعروضات، بتخفيضات حقيقية تصل إلى 70% من القيمة المعلنة سابقاً، مما جذب العديد من الأسر والمقبلين على الزواج إلى أحد الموزعين بمركز تجاري شهير غرب العاصمة، لكن بعض المستهلكين تفاجأوا بأن الموزع يقدم منتجات أقل جودة، مما دفعهم للتراجع عن الشراء أو إعادة المنتجات بعد يومين من عمليات الشراء، وطالبهم مدير المنفذ بمهلة لاسترداد أموالهم لعدم وجود سيولة كافية بالمحل.

إقبال باهت

في الأسواق الشعبية وسط القاهرة، بدا الإقبال ضعيفاً، ولاحظت “العربي الجديد” أن صغار التجار والموزعين يأتون من المدن ومندوبي الشراء للشركات المنتشرة في المحافظات للاتفاق على سلع معينة، حيث تتم معظم المعاملات نقداً، مع تحفظ التجار على تقديم خصومات على أي سلع، باستثناء “الموديلات” القديمة من الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية والأقمشة والملابس، بهدف تصفية المخزون، مما يعكس مخاوف من العروض غير الحقيقية، لكن لا تزال هناك حركة بسيطة في سوق ضعيف.

رصد “العربي الجديد” أن تخفيضات الجمعة البيضاء أعادت الحركة نسبياً إلى قطاع التجزئة، حيث يشتري المستهلكون الأدوات المنزلية البسيطة والسلع الرخيصة بعد مراجعة أسعار البيع قبل التخفيضات، ومع ذلك، لم يرتفع الطلب بشكل ملحوظ، خاصة من الموظفين والطبقة الوسطى، الذين حصلوا على رواتبهم قبل الجمعة البيضاء، وانتهوا مؤخراً من سداد مصروفات المدارس، وما زال أمامهم شهران ضمن استجابة لزيادة النفقات مع اقتراب شهر رمضان وموسم الأعياد.

قالت السيدة الخمسينية أميمة جمال، في مقابلة مع “العربي الجديد”، إنها جاءت لسوق المفروشات بحثاً عن التخفيضات، فإذا وجدتها حقيقية ستشتري، وإذا لم تكن كذلك ستعود إلى البيت بما معها من نقود، مؤكدة أن العروض الوهمية أو الأسعار المرتفعة لم تعد تحفز المستهلك على الشراء، خاصة مع التحديات المتزايدة مع استمرار ارتفاع الأسعار والتضخم وتكاليف الكهرباء والمحروقات والنقل والإيجارات، مما يعقد ميزانية الأسر، ويقلل من الطلب الحقيقي على المشتريات حتى لو انخفضت بعض الأسعار لفترة مؤقتة.

الربط بقيمة الجنيه

من وجهة نظر اقتصاديين، فإن نجاح مواسم التخفيضات مرهون بتراجع قيمة الجنيه، مما يرفع من تكلفة السلع المستوردة والمحلية، ويزيد أيضاً من تكاليف السلع الضرورية، ويقضي على السيولة لدى الناس، مع ضعف قدرتهم على الاقتراض أو التقسيط، باستثناء فئة محدودة من المواطنين الذين يتواصلون مع شركات القروض الاستهلاكية، مما يضعهم تحت ضغط ارتفاع تكاليف الإقراض والأسعار، دون منحهم خصومات حقيقية على المشتريات.

أوضح الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني لـ”العربي الجديد” أن الجنيه المتهاوي يدفع الناس إلى البحث عن الأولويات مع تراجع الدخل أو زيادة أسعار الضروريات، مما يجعل الكماليات في نهاية تعاملات المستهلكين.

وفي تصريحات صحفية، يعتبر مسؤولون بالغرفة التجارية أن الجمعة البيضاء ومواسم التخفيضات ليست سوى فرصة مؤقتة للسوق، وليست بداية انتعاش حقيقي، بينما يؤكد مسؤول بغرفة القاهرة لـ”العربي الجديد” أن الركود في القطاع غير النفطي، الذي يظهره مؤشر PMI لمؤسسة ستاندردز آند بورز شهرياً، ما زال مستمراً للعام الخامس على التوالي، وأن تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين هو ما يدفع القطاع الإنتاجي غير النفطي إلى منحنى الركود، مما يؤجل رغبة الشركات في رفع الإنتاج أو المخزون اللازم للتشغيل، مع مخاوف من عدم حدوث حركة في الطلب مع زيادة التضخم وسعر الدولار مقابل الجنيه، مما يشكل ضغطاً كبيراً على الأسر والمنتجين في الوقت ذاته.

يعتبر المصدر أن تخفيضات الجمعة البيضاء فرصة استثنائية لمن يمتلك بعض السيولة، مؤكداً أنها لن تشكل موسم انتعاش للشركات والموزعين، إذ لم تُحسن من القوة الشرائية التدهورة منذ سنوات، لتظل الأمور على هذا النسق ما لم يحدث تحسن ملموس في الدخل الحقيقي للموظفين والعمال، واستقرار أسعار السلع الأساسية والطاقة، وتحفيز الاقتراض أو البيع بالتقسيط بشروط ميسرة، مع حماية المستهلك من العروض الوهمية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *