لم يكن هذا المشهد المتناقض في ظاهره سوى إعلان صريح من جماعة الإخوان بأنها كالإخطبوط لديها أذرع متعددة، كلما قُطع أحدها ظهر آخر، فيما الرأس باقٍ وهو التنظيم العالمي المعروف إعلاميًا بالتنظيم الدولي للإخوان، والموصوف بأنه أخطر تنظيم عابر للقارات، فما هي حكاية هذا التنظيم؟
القصة التاريخية للتنظيم
القصة طويلة لا تختزلها كلمات معدودة، وترجع بالأساس للسنوات الأولى من عمر جماعة الإخوان التي تأسست عام 1928، حيث أن حسن البنا، المؤسس والمرشد الأول لها، أنشأ قسمًا خاصًا سماه قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، والذي عُدّ النواة الأولى لانتشار الإخوان خارج مصر وتحقيق طموحها بالسيطرة على العالم، والذي تسميه بـ”أستاذية العالم”.
قسم الاتصال بالعالم الإسلامي.. نواة الإخوان للتنظيم الدولي
وبدأت المحاولات الأولى لانتشار الإخوان خارج مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، فجندت الجماعة طلابًا عربًا وأفارقة يدرسون بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًا) والأزهر الشريف، كي ينقلوا أفكارها إلى دولهم، كما أوفد مؤسس الإخوان حسن البنا مبعوثين عنه إلى عدة دول عربية، مثل سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن وغيرها، بهدف زرع البذور الإخوانية، وكانت الجماعة تدعي ظاهريًا أنها مجرد جماعة دعوية تهدف إلى إعادة القيم الإسلامية للمجتمعات المسلمة، وهي الحيلة التي لطالما استغلتها لخداع الذين لا يعرفون عن أهدافها الحقيقية.
التوسع الإخواني
وبحلول عام 1935، كانت الإخوان قد استطاعت أن تؤسس وجودًا لها في 11 فرعًا لها في مصر وخارجها، منها أفرع جيبوتي، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، واليمن وغيرها، وهو ما تفاخرت به جريدة الإخوان المسلمين التي كانت تصدرها الجماعة في تلك الفترة.
استراتيجيات البنا
كانت فكرة حسن البنا أن تنتشر جماعته أولًا تحت ستار العمل الدعوي، ثم تتحول للعمل السياسي والعسكري، وتسيطر على الدول التي تنشط فيها، لأن غاية الجماعة هي الحكم، كما تقول رسائله لأتباعه، ومع مرور الوقت أدرك أنّ خطته بدأت تفعل كما رسم لها، فأسس تنظيمه العسكري المعروف بالتنظيم الخاص عام 1940، وأسس قسمًا آخر لتنسيق العمل في الأفرع الإخوانية الخارجية سماه “قسم الاتصال بالعالم الإسلامي”، وهو النواة التي ستتطور بعد عقود لتشكل التنظيم الدولي للإخوان.
التحديات والمصاعب
كان مبعوثو مؤسس الإخوان يسافرون بصورة دورية إلى الدول التي نجحت الجماعة في إيجاد موطئ قدم لها فيها، حيث استغل حسن البنا موسم الحج عام 1936 للقاء بوفود الإخوان من تلك الدول الذين قدموا تحت ستار الحج للقاءه وتلقي التعليمات منه، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث حظرت الجماعة في مصر بقرار من رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، ودخلت في صراع مسلح مع الحكومة بعد اغتيال النقراشي.
الإخوان بعد العودة
ومع ذلك، بذور الإخوان التي زرعت في الدول الأخرى واصلت النمو، وعندما عادت الجماعة للنشاط الرسمي في عام 1950 لم يكن النشاط الخارجي أولى أولوياتها، فقد انشغلت بالصراع الداخلي في مصر، وتحالفت مع الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر لخلع الملك فاروق، وهو ما تم في 1952.
الصدام مع النظام الناصري
دخلت الجماعة في صدام مع النظام الناصري في عامي 1954، و1965 على الترتيب، وحظرت من جديد، وفرّ كثير من قادتها إلى خارج البلاد، حيث استقروا في دول أوروبية والولايات المتحدة، وكان منهم سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا وغيره، وفي الملاذات الآمنة، وجدت الإخوان فرصة للنشاط والعمل بعيدًا عن الملاحقة، واستغلت فكرة العمل الدعوي كي تتغلغل في أوساط الأقليات الإسلامية في تلك البلدان وتوظفهم لخدمة مصالحها الذاتية.
عودة النشاط الإخواني
وفي مصر، عادت الجماعة رسميًا للعمل والنشاط عام 1972، وعملت على إعادة بناء نفسها، كمركز ورأس لشبكة التنظيم في المنطقة وخارجها، حيث لعب قادة التنظيم السري الدور المهم في تأسيس التنظيم الدولي.
تأسيس التنظيم الدولي
أعلن عن التنظيم الدولي للمرة الأولى في 29 يوليو 1982، حيث ضم كافة التنظيمات والكيانات الإخوانية في العالم العربي والإسلامي وخارجه، وتوسع مصطفى مشهور خارج الإطار الضيق للإخوان ليضم إليه جماعات إسلامية أخرى، تتوافق في المنهج والأيديولوجيا، مثل الجماعة الإسلامية في باكستان، والحزب الإسلامي في ماليزيا، وحزب الرفاه في تركيا.
الهيكل التنظيمي
تشكل المكتب الإرشادي العالمي جزءًا أساسيًا من الهيكل التنظيمي، حيث يتولى المكتب القيادة التنفيذية العليا للإخوان حول العالم، بينما يشكل مجلس الشورى العالمي السلطة التشريعية والرقابية، ويجتمع المجلس كل 6 أشهر لمناقشة شؤون الجماعة، مع التأكيد على أن جماعة الإخوان المصرية تمتلك نسبة كبيرة من التمثيل في مجلس الشورى العالمي.
التوسع والنفوذ
يساعد التنظيم الدولي في إدارة أفرع الجماعة حول العالم، وقد تجلى ذلك في دوره في الخلاف بين رجب طيب أردوغان ومعلمه نجم الدين أربكان في تركيا، حيث لجأ أردوغان إلى مصر للقاء مرشد الإخوان آنذاك للفصل في الخلاف، وهذا يدل على مدى تأثير التنظيم الدولي على استراتيجيات الأفرع المختلفة.
الصراع والانقسام
انفرط عقد التنظيم الدولي بعد الإطاحة بجماعة الإخوان في مصر عام 2013، حيث عانت من صراعات داخلية، وقد أعلنت “إخوان الأردن” فك ارتباطهم بالتنظيم الدولي، وتبعتهم حركة حماس، ولكن تلك الإعلانات لم تكن سوى عمليات دعائية للإيحاء بالانفصال.
التغيرات القيادية
تأثرت إدارة التنظيم الدولي بالصراع الداخلي في الجماعة المصرية، ومع اعتقال محمود عزت، انقسمت الجماعة بين جبهتين، بينما تولى صلاح عبد الحق منصب القائم بعمل المرشد، وكان اختياره مخالفًا للوائح المعمول بها، مما أثر على التوازنات داخل التنظيم. وتوالت التوترات السياسية بعد وفاة إبراهيم منير، مما زاد من تعقيدات الوضع.
الأوضاع الحالية للتنظيم الدولي
يتصدر صلاح عبد الحق التنظيم كقائم بعمل مرشد الإخوان، ويعتبر محمود الإبياري الأمين العام، بينما يتمتع التنظيم الدولي بوجود معقد في ظل تحديات كبيرة، حيث يحاول الخروج من الأزمات والتحديات المفروضة عليه، من خلال خطط لتغيير واجهاته والتنكر ككيانات جديدة، محاولًا كذلك كسب دعم دولي ضد التصنيفات الإرهابية.
