«تطوير الموانئ المصرية: استراتيجية لتعزيز الربط الإقليمي»

«تطوير الموانئ المصرية: استراتيجية لتعزيز الربط الإقليمي»

القرن الإفريقي بعد يناير ٢٠٢٤ شهد تغييرات جذرية، حيث كانت نقطة التحول مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وإقليم صوماليلاند لتطوير قاعدة في ميناء بربرة على خليج عدن، مقابل اعتراف بصفة الإقليم كدولة مستقلة عن الصومال، وفي أغسطس ٢٠٢٤، وقعت مصر بروتوكول تعاون عسكري مع مقديشو، تضمن تعزيز قدرات الجيش الصومالي في التدريب والتسليح، بالإضافة إلى دورها الفعال ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM)، كما أكدت قمة أسمرة في أكتوبر على التنسيق العسكري والأمني بين مصر والصومال وإريتريا، وأكدت على وحدة الصومال ومكافحة الإرهاب، بينما قامت مصر بإغلاق المنافذ المحتملة لإثيوبيا على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، لتبقى جيبوتى المطلة على باب المندب.

جيبوتى وإثيوبيا: تحولات استراتيجية

جيبوتى قدمت لإثيوبيا ميناء «تاجورا» للاستخدام طويل الأمد، لكن أبي أحمد رفض هذا العرض، وفي أبريل ٢٠٢٥، كانت زيارة الرئيس السيسي لجيبوتى محورًا لفهمات جديدة، حيث تم توقيع اتفاقيات في أغسطس شملت مشاركة مصر في تنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية في مجالات البنية التحتية والتجارة والطاقة المتجددة، حيث تولت مصر إنشاء منطقة لوجستية حرة بمساحة ١٥٠ ألف متر مربع على الساحل الجيبوتى، لتعمل كمركز شامل يعزز التجارة بين البلدين والأسواق المجاورة، ويساهم في تأمين ممر الملاحة البحرية عبر باب المندب، ومن المقرر أن يتم الربط الملاحي بين مينائي سفاجا وجيبوتى.

التفاصيل الاستراتيجية لميناء «دوراليه»

تضمنت الصفقة الاستراتيجية ميناء «دوراليه»، الذي يقع داخل المنطقة المصرية، حيث ستقوم القاهرة بتطويره وتوسيع أرصفة الحاويات فيه، فضلًا عن إنشاء طريق سريع يبلغ طوله ٩٠ كيلومترًا تحت إدارتها، لربط جيبوتى بإثيوبيا، مما يسهل التجارة والنقل، ويشكل نقطة حيوية لـ ٩٥٪ من تجارة إثيوبيا، مما يعني تكثيف الحصار عليها وتقويض نفوذها في القرن الإفريقي، فضلاً عن إحباط خططها للتمتع بمنفذ على البحر الأحمر، كما تنطلق مصر لإنشاء محطات للطاقة الشمسية ومشروع لطاقة الرياح بقدرة ٤٠ ميجاوات على ساحل «غوبت»، لتفادي استخدام الطاقة الكهربائية كأداة ضغط من إثيوبيا على جيبوتى.

فرص الاستثمار ودعم التعاون الإقليمي

يعد ميناء «دوراليه» بوابة لمصر نحو فرص استثمار واسعة في الخدمات اللوجستية والتجارة البينية مع إفريقيا، مما يعزز من مكانتها كمحور إقليمي مهم في إدارة وتشغيل الموانئ، وقد كان لهذه الخطوة الفضل في نجاحاتها السابقة في تطوير الموانئ المصرية على البحرين الأحمر والمتوسط، حيث سيكون هناك أيضًا ميناء استراتيجي على الساحل الإريترى لاستكمال شبكة الموانئ المصرية في القرن الإفريقي، مما سيعزز الطوق حول إثيوبيا ويدفعها إما للتراجع عن سياساتها العدائية أو المخاطرة بحرب لن تستطيع تمويلها.

المحاور الاستراتيجية للتعاون الإقليمي

تستند استراتيجية القاهرة إلى التعاون الإقليمي، من خلال تشكيل محور استراتيجي تنموي مع الكويت، حيث تناول لقاء الرئيس السيسى مع الوفد الاستثماري الكويتي في إبريل ٢٠٢٥ الفرص الاستثمارية والتسهيلات الحكومية المتاحة، حيث وقعت شركة «أرابيك» القابضة الكويتية للاستثمارات و«إم واي دي» المصرية عقدًا مع ولاية جنوب غرب الصومال لتطوير ميناء «ميركا» المعروف بـ«براوة» جنوب مقديشو، والتنقيب عن النفط والموارد الطبيعية في المنطقة، وبمساحة ٢٠٠ كيلومتر مربع لمدة ٢٥ عامًا، بخلاف ٥ سنوات للتجهيز والبناء والتطوير، حيث تمول الشركة الكويتية المشروع بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار، لكن التنفيذ والتطوير سيتولى ذلك الشركة المصرية، إذ من المتوقع أن تكون الإيرادات المتوقعة للعام الأول من التشغيل ما بين ١٥٠ و٢٥٠ مليون دولار.

التعاون مع سلطنة عمان وإيران التنموية

المحور الاستراتيجي الثاني مع سلطنة عمان، حيث أكد منتدى التجارة والاستثمار المصري/الخليجي الأول في القاهرة في ١٠ نوفمبر ٢٠٢٥ على اعتقاد سلطنة عمان بأهمية الربط بين الموانئ الخليجية والمصرية لزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين، مما يؤكد على الفرص الاستثمارية العديدة المتاحة بدول مجلس التعاون ومصر، بالإضافة إلى وجود العديد من الموانئ الاستراتيجية مثل ميناء «الدقم» وميناء «صحار»، كما تم الاتفاق أيضًا على توسيع التعاون البحري واللوجستي بين مصر والسودان، خاصة في بورتسودان، حيث سيلعب دورًا هامًا في اقتصاد العديد من الدول الإفريقية من خلال توفير منافذ لوارداتها وصادراتها.

الحصار المفروض على إثيوبيا وتأثيره

تجد إثيوبيا نفسها في مأزق حقيقي، حيث تتزايد حلقات الحصار عليها يومًا بعد يوم، مما يفسر ردود فعلها غير المتزنة في ضخ كميات ضخمة من مياه السد بشكل متعمد، بينما بدأت مصر منذ عدة أشهر بتنفيذ خطة توسيع وتطوير مفيض توشكى، في إطار من التجهز للطوارئ، من خلال إضافة ثلاث بحيرات بسعة إجمالية تبلغ ٥٦ مليار متر مكعب، ومع ذلك تضطر أحيانًا لفتح المفيض لتصريف هذه الكميات لتفادي تعطل المشروع، مما يجعل السد قنبلة ضغط على القاهرة، لكنها تأمل في توسيع الأراضي الجديدة المستصلحة في توشكى والصحراء الغربية مع كل نقطة من مياه السد التي تصل إليهم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *