سوريا على شفا حرب أهلية.. اشتعال موجة جديدة من العنف الطائفي

0 تعليق ارسل طباعة

اندلعت مواجهات مسلحة دامية على أطراف العاصمة السورية دمشق، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا، في مشهد يعيد إلى الواجهة خطر الانزلاق نحو موجة جديدة من العنف الطائفي في البلاد، بحسب ما أفادت به مصادر رسمية سورية ومجموعة حقوقية معنية برصد تطورات الحرب في البلاد.

وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الاشتباكات وقعت في ضاحية جرمانا، ذات الغالبية من أبناء الطائفة الدرزية، وبدأت ليل الاثنين – الثلاثاء، على خلفية تداول مقطع صوتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تضمن إساءة للرسول عليه الصلاة والسلام، نُسب إلى رجل دين درزي، ما أثار موجة غضب واسعة.

وتابعت أن رجال دين دروز في جرمانا، بمن فيهم الشيخ الذي نُسب إليه المقطع، نفوا بشكل قاطع مسؤوليته عنه، مؤكدين أن التسجيل مفبرك. 

وأعلنت وزارة الداخلية السورية أن التحقيقات الأولية أثبتت أن رجل الدين المعني ليس له علاقة بالمقطع، وناشدت المواطنين التحلي بالهدوء والحذر.

تصعيد كبير في سوريا.. أسرار العنف

وتابعت الصحيفة أن الدعوات إلى التهدئة لم تمنع التصعيد، إذ ذكرت "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، وهو مركز مراقبة مقره بريطانيا، أن مقاتلين مجهولي الهوية وصلوا ليلًا إلى محيط جرمانا على متن عربات مدرعة، وبدؤوا بقصف المدينة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة في شوارعها، استمرت حتى ساعات الصباح الأولى.

وتأتي هذه الأحداث في ظل أجواء مشحونة يعيشها المجتمع السوري، عقب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي على يد فصائل إسلامية متمردة، تولت السلطة بعد ذلك. 

وأثارت تلك التطورات مخاوف واسعة بين مكونات المجتمع السوري من الأقليات، وبينهم الدروز، الذين يخشون من التهميش أو الاستهداف من قبل القيادة الجديدة ذات الطابع الإسلامي السني.

وقد أدت الحادثة إلى خروج مظاهرات في عدد من المدن السورية الأخرى، حيث أقدم بعض المحتجين على التحريض ضد الطائفة الدرزية، وفقًا للمرصد.

وأسفرت الاشتباكات في جرمانا عن إصابة 15 شخصًا على الأقل، ولم تُعرف حتى اللحظة هوية الجهة التي تقف خلف الهجوم بشكل دقيق، غير أن المرجعيات الدينية الدرزية في المدينة أصدرت بيانًا حمّلت فيه الحكومة الجديدة مسؤولية ما جرى، محذّرة من تدهور الوضع بشكل أوسع.

واتهم الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، من وصفهم بـ"المتشددين الإسلاميين" بالوقوف خلف الهجوم، مشددًا على أن الاستهداف يأتي ضمن حملة أوسع ضد أبناء الطائفة، التي لطالما اتخذت موقفًا حذرًا وناقدًا من قيادات المعارضة المسلحة الجديدة.

وأعلنت وزارة الداخلية أن قوات الأمن الحكومية نشرت عناصرها على أطراف جرمانا، وأقامت طوقًا أمنيًا حول المنطقة بهدف منع تجدد الاشتباكات، مشيرة إلى أن عناصر من قوات الأمن نفسها كانوا من بين ضحايا المواجهات.

وفي وقت لاحق، عقد مسؤولون سوريون اجتماعات مع قيادات دينية ومجتمعية من جرمانا، حيث تم الاتفاق على محاسبة المتورطين في الهجوم، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

وليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها جرمانا توترات مماثلة، إذ شهدت المدينة اشتباكات دامية في مطلع شهر مارس الماضي، دارت بين عناصر درزية وقوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة، في مؤشر متكرر على تصاعد التوترات بين الدولة الجديدة وبعض الأقليات.

وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن سوريا، التي يشكل المسلمون السنة غالبية سكانها، تحتضن طائفة درزية صغيرة تعتنق ديانة لا تعتبر نفسها ضمن المذاهب الإسلامية، ويعود أصل التوترات الراهنة إلى سيطرة فصائل سنية إسلامية كانت مرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة على مقاليد الحكم، بعد سقوط نظام الأسد.

وتكافح السلطات الجديدة من أجل دمج عشرات الفصائل المسلحة، التي قاتلت ضد النظام السابق، ضمن هيكلية الدولة الجديدة، وهي عملية معقدة تزيدها تعقيدًا حالة التوجس والريبة التي تسود صفوف الأقليات، ومنهم الدروز، الذين تشترط ميليشياتهم القوية ترتيبات خاصة قبل الانضمام إلى الجيش الجديد.

وتأتي أحداث جرمانا بعد أسابيع قليلة من مجازر طائفية دامية شهدتها محافظتان ساحليتان ذات غالبية علوية، الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد، حيث شن موالون للأسد هجومًا منسقًا ضد قوات الحكومة الجديدة، تلاه اجتياح آلاف المسلحين الموالين للنظام السابق للمنطقة، حيث ارتكبوا مجازر أسفرت عن مقتل أكثر من 1600 مدني، معظمهم من الطائفة العلوية، خلال أيام معدودة، وفقًا لتقارير المرصد.

وتكشف هذه الأحداث مجتمعة عمق الأزمة التي تواجهها القيادة الجديدة في دمشق، والتي تجد نفسها عاجزة عن السيطرة الكاملة على الفصائل المسلحة التي تدّعي الولاء لها، لكنها لا تزال تتحرك بأجندات خاصة.

وقال ربيع منذر، أحد وجهاء المجتمع الدرزي في جرمانا، إن هناك مخاوف حقيقية بين السكان من انزلاق الأوضاع نحو دوامة عنف طائفي لا يمكن السيطرة عليها، محذرًا من تكرار سيناريو المحافظات الساحلية، الذي وصفه بـ"الكابوس الدموي".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق