اختفاء ثقافة العيب في عصر السوشيال ميديا كيف فقد المجتمع بوصلته؟ #منوعات #اخبار_منوعة #لايف_ستايل #حياة #من_الحياة #اتعلم_اكتر #تنمية_بشرية #الجمهورية_أون_لاين

0 تعليق ارسل طباعة

في عصرٍ أصبحت فيه السوشيال ميديا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تغيّرت العديد من القيم المجتمعية التي لطالما كانت حاكمة للسلوكيات والأخلاقيات. من بين هذه القيم التي تأثرت بشكل لافت هي "ثقافة العيب"، التي كانت تمثل الحاجز الاجتماعي الذي يحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول في التصرفات والعلاقات. ومع الانفتاح الكبير على منصات التواصل، أصبح العالم مفتوحًا أمام الجميع، ومعه تلاشت تدريجيًا بعض الحدود التي كانت تحدّ من حرية التعبير. فما كان يُعتبر عيبًا أو محظورًا أصبح اليوم أمرًا عاديًا، بل وأحيانًا يُحتفى به على أنه نوع من "الجرأة" أو "الحداثة".


لكن هل هذا التغيير في قيم المجتمع يعد تطورًا طبيعيًا أم أنَّه علامة على انحدار في الأخلاقيات؟ وهل فقدنا بوصلتنا في عالم أصبح فيه كل شيء مباح؟

ما هي ثقافة العيب؟

قالت الدكتورة أسماء محمد نبيل أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس إن ثقافة العيب هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تحدد ما يُعتبر "عيبًا" أو غير مقبول اجتماعيًا، بغضّ النظر عما إذا كان هذا الفعل مرفوضًا دينيًا أو قانونيًا، فثقافة العيب غالبًا ما تنبثق من العادات والتقاليد، فكل ما يخرج عن المألوف يُعد "عيبًا.

وتابعت: فيُفرض على الأفراد اتباع سلوكيات معينة ليس لأنها خطأ شرعًا أو قانونًا، بل فقط لأنها ما تعودنا عليها،وكانت ثقافة العيب قديماًتمارس قوة وتأثير لسيطرة العادات والتقاليد فكان يخلط بين ما هو دينى وما هو عيب فكانت الطاعة دون نقاش لأن المجتمعات كانت مغلقة بالإضافة انه لم يكن هناك وسائل تواصل خارج إطار العائلة أو المجتمع،فالفرد لا يملك صوتاً أمام الجماعة فكان يتوقع منه طاعة السلطة المجتمعية .


أسباب عدم احترام ثقافة العيب في الوقت الحاضر:

 قالت الدكتورة أسماء محمد نبيل أن أسباب عدم احترام ثقافة العيب في الوقت الحاضر ترجع إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية، الثقافية، والتعليمية، تعكس تحوّلات عميقة في وعي الأفراد وتغير النظرة إلى القيم التقليدية،فأصبح التركيز على العدالة، الحرية، والحقوق أكثر من مجرد الالتزام بالصورة الاجتماعية، لم يعد "العيب" يخيف بنفس القوة إذا لم يكن مبنيًا على منطق أو أخلاق.
كذلك فالجيل الجديد يرى أن كسر هذه التقاليد أحيانًا نوع من الشجاعة والحق،ولضعف الرقابة المجتمعية المباشرة قديماً، كانت "نظرة الجيران" أو "كلام الناس" كافية لردع الشخص.
مع تطور التعليم وتوسّع آفاق المعرفة، بات الأفراد أكثر قدرة على تحليل الموروثات الاجتماعية ونقدها. لقد أصبح التعلّق الأعمى بثقافة العيب مرفوضًا من قِبل فئة كبيرة ترى فيها أداة للتمييز، لا سيما ضد المرأة والشباب

وأوضحت: وفرت وسائل التواصل الاجتماعي منصات حرة للتعبير عن الآراء ومشاركة التجارب من مختلف أنحاء العالم. وقد أدى ذلك إلى إعادة تشكيل المفاهيم الاجتماعية، حيث أصبح الفرد يدرك أن ما يُعتبر "عيبًا" في بيئته، قد يكون طبيعيًا ومقبولًا في بيئات أخرى، ما جعله أقل خوفًا من "نظرة المجتمع.

 

العودة لاحترام ثقافة العيب:

وقالت الدكتورة أسماء محمد نبيل أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس حتى ننمى احترام ثقافة العيب لابد من تعزيز التمييز بين "العيب الأخلاقي" و"العيب الاجتماعي وللعودة لاحترام ثقافة العيب:

أولا:لا بد من إعادة تعريف ثقافة العيب، بحيث لا تكون قائمة على العادات فقط، بل على معايير الأخلاق والمصلحة العامة. فبدلًا من أن تُستخدم كأداة لكبت الحريات، يجب أن تُوظف لترسيخ الاحترام، الصدق، والنزاهة.

ثانيًا: التربية الأسرية الواعية
الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء وعي الفرد. لذلك، من الضروري أن يُربّى الأبناء على قيمة احترام الذات والآخرين، لا على الخوف من "كلام الناس". غرس مفاهيم مثل احترام الكبير، الحياء، المسؤولية، يجب أن يكون بأسلوب إيجابي متزن،

ثالثًا: التعليم القيمي في المناهج الدراسية
ينبغي أن يتضمن التعليم في مراحله المختلفة مواد ومواقف تربوية تزرع القيم الأخلاقية بطريقة حديثة، تُشجع على التفكير، وتوضح الفرق بين القيم الدينية والإنسانية من جهة، وبين القيود الاجتماعية التقليدية من جهة أخرى.

رابعًا: القدوة الصالحة في المجتمع
تلعب القدوة دورًا كبيرًا في التأثير على سلوك الأفراد، خاصة من الشخصيات العامة والمؤثرين. عندما يرى الناس شخصيات ناجحة تلتزم بالحياء والاحترام والسلوك القويم دون تظاهر أو تشدد، يصبح ذلك دافعًا لاحتذائهم.
تنمية الوعى من خلال تفعيل دور الاعلام نحو نشر محتوى يعزز القيم الاجتماعية والأخلاقية، ويبرز احترام ثقافة العيب كعنصر نُبل وليس ضعفًا أو تخلفًا. فالرسائل الإعلامية المؤثرة قادرة على خلق وعي جمعي مستنير.

خامسًا: فتح الحوار بين الأجيال
بدل الصدام بين القديم والجديد، يجب فتح قنوات للحوار بين الأجيال لشرح أهمية بعض السلوكيات المتوارثة، وفرز ما يمكن تطويره أو الاستغناء عنه. هذا يعزز شعور الشباب بأنهم شركاء لا متلقون فقط.


وأكدت الدكتورة أسماء محمد نبيل أن ليس الهدف من استعادة احترام ثقافة العيب هو الرجوع إلى الوراء، بل التقدّم إلى الأمام بقيم ثابتة وأسلوب واعٍ. عندما تُفهم ثقافة العيب على أنها دعوة للحياء والاحترام، وليست أداة قمع، عندها يمكن أن تكون عنصرًا إيجابيًا في بناء مجتمع متماسك، أخلاقي، ومتطور.

 


هل اختفت ثقافة العيب بفعل السوشيال ميديا ؟

قالت الدكتورة أسماء مراد، استشاري العلاقات الأسرية، إن ثقافة العيب تأثرت بشكل واضح نتيجة الانفتاح الكبير في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب اللهث وراء التريندات والربح السريع، مشيرة إلى أن "العيب" بدأ يختفي تدريجياً، وأصبحت أسرار البيوت مكشوفة، ولم تعد هناك خصوصية، بل على العكس، أصبح الكثيرون يعرضون تفاصيل حياتهم الخاصة بهدف الوصول إلى التريند وتحقيق الأرباح.

 

ما يحدث ليس تطورًا.. بل انحدار في الأخلاقيات

وأضافت الدكتورة أسماء مراد أن ما يحدث في الواقع لا يمكن وصفه بالتطور، بل هو انحدار كبير في منظومة الأخلاقيات. وأكدت:  "نحن لا نتحدث عن المثالية الزائدة، ولكن يجب أن نكون منطقيين، فبالرغم من أننا لا نستطيع تغيير الواقع بشكل كامل، إلا أننا نستطيع زيادة التوعية".

 

الإعلام والسوشيال ميديا

وشددت على أهمية وجود دور توعوي فعّال من وسائل الاتصال الجماهيري، مثل وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام سواء كانت تلفزيون أو صحافة. وأكدت أن الناس سيستجيبون لذلك لأن هناك قبولاً فطريًا لدى أفراد المجتمع للعودة إلى طبيعتهم الأصلية.
وأوضحت أن التأثيرات الخارجية قد تُحرف الأفراد، لكن داخل كل إنسان رغبة حقيقية في أن يعيش حياة صحيحة وصحية، مؤكدة أن كل ما يبتعد عن درب "العيب" يؤدي في النهاية إلى أزمات نفسية، مهما حقق الشخص من أرباح أو شهرة.


الأسرة هي خط الدفاع الأول

وأكدت خبيرة العلاقات الأسرية على الدور الجوهري للأسرة في ترسيخ ثقافة العيب لدى الأبناء، من خلال تعليمهم كيفية التعامل داخل الأسرة، سواء بين الوالدين أو في العلاقة بين الوالدين والأبناء، لأنهم النموذج والقدوة.

ولفتت إلى أن الكثير من الأسر باتت تركز على الجانب المادي فقط، وتغفل الجوانب التربوية، وهو ما يتسبب في تشوهات قيمية وسلوكية لدى الأبناء.

 

رسالة للأسرة: تمسكوا بالأخلاق والدين دون تشدد

ووجّهت الدكتورة أسماء مراد رسالة إلى الأسر، بضرورة التمسك بالأخلاقيات والدين في التعامل مع الأبناء، دون قسوة أو تشدد، بل من خلال منهج وسطي يريح الأبناء ويمنحهم الثقة في أنفسهم، ويعلمهم كيف يحافظون على أخلاقهم، ويعرفون ما هو العيب وما هو المقبول، ليكونوا قادرين على التفاعل مع المجتمع بشكل سليم ومتوازن.

 


تلاشي ثقافة العيب

وقالت سحر محمود إخصائية علم الاجتماع أن "ثقافة العيب" لم تعد  تلك السقف الخفي الذي يضبط سلوك الأفراد في المجتمع. فمع تصاعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، بدا وكأن هذه الثقافة، التي شكلت لسنوات طويلة رادعًا أخلاقيًا ومجتمعيًا، قد تلاشت تدريجيًا، لتفسح المجال أمام جرأة مفرطة، وسلوكيات كانت تُعد مرفوضة أو خارجة عن المقبول.

 

تحولات في الوعي المجتمعي

قبل سنوات قليلة فقط، كانت هناك كلمات لا تُقال، وتصرفات لا تُرتكب علنًا، ليس خوفًا من القانون، بل اتساقًا مع فكرة "العيب" التي تعكس قيمًا مجتمعية راسخة. اليوم، ومع انفتاح الجميع على العالم الافتراضي، أصبح من السهل تبرير أي تصرف تحت شعار "حرية التعبير"، حتى وإن كان يحمل إساءة أو تجاوزًا لخصوصيات الآخرين.

 

من المسؤول؟

لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على السوشيال ميديا، فهي مجرد وسيلة. لكن المشكلة تكمن في طريقة استخدامها. المراهقون والشباب أصبحوا يتفاعلون يوميًا مع محتوى يتعمد كسر التابوهات، ليس بدافع الوعي أو التغيير، بل لجذب الانتباه وحصد الإعجابات. ومع غياب التوجيه الأسري والمدرسي، يتكون وعي مشوش يربط الشهرة بالوقاحة، ويعتبر كسر القواعد بطولة.

 

دور الأسرة تحت المجهر

الأسرة اليوم أمام تحدٍ حقيقي. فالمفاهيم الأخلاقية لم تعد تُزرع تلقائيًا كما في السابق، بل تحتاج إلى تواصل مباشر وتربية حقيقية على التفكير النقدي. كثير من الأسر تغفل عن متابعة سلوك الأبناء على الإنترنت، أو تلجأ إلى المنع التام، وكلا الأسلوبين غير مجدٍ. المطلوب هو الحوار المستمر، وتقديم قدوة حقيقية، توازن بين القيم والانفتاح.

 

هل نحتاج لاستعادة "ثقافة العيب

المطلوب ليس العودة للزمن الماضي، ولا فرض الصمت باسم التقاليد، بل إحياء القيم التي تحفظ احترام الذات والآخرين. ثقافة العيب ليست سجنًا فكريًا كما يصورها البعض، بل هي جزء من الضمير الجمعي، الذي يمنع السلوك المؤذي حتى في غياب القانون.

 

الحلول تبدأ من الداخل

    على الأهل غرس مفاهيم الاحترام والمروءة في الأبناء، كما أن المدارس بحاجة إلى مناهج تدمج التربية الأخلاقية في كل المواد، لا كمادة هامشية.

كذلك الإعلام مطالب بإعادة صياغة معاييره، بدلًا من المساهمة في تلميع "الترندات السلبية".


كلمة أخيرة

في عصر لم تعد فيه الخصوصية موجودة، ولم يعد فيه الطفل ينتظر والده ليخبره شيئًا، بل يعرفه من فيديو على "تيك توك"، فإن المسؤولية الأخلاقية أصبحت موزعة بين الأسرة، والمجتمع، والمؤسسات، وحتى الأفراد أنفسهم.
استعادة ثقافة العيب لا تعني الرجوع للوراء، بل تعني أن نعرف الحد الفاصل بين الحرية والابتذال، وبين الجرأة والانحراف، وبين التعبير والتجاوز.

 


يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق