فى خطوة وُصفت بالاستراتيجية والجريئة، أعلنت الحكومة عن بدء مفاوضات مع الجانب الكويتى لتحويل جزء من الودائع الكويتية لدى البنك المركزى المصرى إلى استثمارات مباشرة فى السوق المصرية، وهى الخطوة التى لاقت ترحيبًا واسعًا من خبراء الاقتصاد ومجتمع الأعمال.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، عن أن وزيرى المالية والاستثمار سيتوجهان إلى الكويت لبحث تفاصيل تنفيذ هذه المبادرة، فى إطار خطة الحكومة لتحويل الأصول الأجنبية إلى فرص تنموية تعزز مناخ الاستثمار وتقلل الاعتماد على القروض.
ورأى خبراء الاقتصاد، فى حديثهم لـ«الدستور»، أن خطوة الحكومة استراتيجية ومهمة فى مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعكس رغبة الدولة فى التحول من سياسة الاعتماد على التمويلات قصيرة الأجل إلى نمط أكثر استدامة قائم على الاستثمار الإنتاجى والشراكة التنموية.
عبدالمنعم السيد: يشجع مستثمرين عربًا وأجانب على ضخ أموالهم فى السوق المصرية
رأى الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن الاتفاق يمثل خطوة إيجابية ذات أبعاد اقتصادية واسعة، سيكون لها أثر ملموس على الاقتصاد الكلى، خاصة فيما يتعلق بتوفير فرص عمل جديدة للشباب، وزيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى، وتنشيط بيئة الاستثمار فى البلاد. وأوضح «السيد» أن تحويل هذه الودائع إلى استثمارات إنتاجية، خاصة فى قطاعات حيوية مثل الصناعة، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، سيسهم فى خلق آلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يعزز من قدرة الدولة على خفض معدلات البطالة، وتمكين الشباب اقتصاديًا، خاصة فى المناطق التى تستهدفها الحكومة ضمن خطط التنمية الإقليمية. وأشار إلى أن ضخ استثمارات كويتية فى الاقتصاد المصرى من شأنه أن يُسهم فى زيادة تدفقات النقد الأجنبى إلى البلاد، سواء من خلال الإنفاق الاستثمارى المباشر، أو من خلال العوائد المستقبلية التى ستنتج عن التوسع فى التصدير، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى، ويدعم استقرار سعر صرف الجنيه المصرى. وأكد أن هذه الشراكة الاستراتيجية ستدفع نحو نمو صادرات مصر، حيث من المتوقع أن تسهم المصانع والمشروعات الجديدة، الممولة بالاستثمارات الكويتية، فى إنتاج سلع قابلة للتصدير، وخاصة إلى الأسواق الخليجية والإفريقية، وهو ما يعزز الميزان التجارى ويقلل من عجز الحساب الجارى. وأضاف «السيد» أن النجاح فى تحويل هذه الودائع إلى استثمارات سيكون بمثابة شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى، وسيشجع مستثمرين عرب وأجانب آخرين على ضخ أموالهم فى السوق المصرية، ما يؤدى إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحفيز النمو الاقتصادى، ورفع معدلات التشغيل، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ورأى أن ما يحدث الآن هو بداية لتحول جذرى فى نمط العلاقة الاقتصادية بين مصر والدول الخليجية، يقوم على الاستثمار المشترك والنمو المتبادل، بدلًا من الاعتماد على القروض والدعم المؤقت.
أشرف غراب: يعزز قيمة الجنيه ويخفف أعباء خدمة الدين ويخفض مستوى الديون السيادية
أوضح الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية أن تحويل جزء من الودائع الكويتية لدى البنك المركزى المصرى إلى استثمارات مباشرة يمثل تحولًا استراتيجيًا فى إدارة العلاقات الاقتصادية مع الدول الشقيقة ويُعد بمثابة نقلة نوعية فى مسار الاقتصاد المصرى، خاصة فى ظل التحديات العالمية والضغوط التى تواجهها الأسواق الناشئة.
وأوضح «غراب» أن هذه الخطوة ستؤثر بشكل مباشر فى دعم الاحتياطى النقدى الأجنبى للبلاد، ليس فقط من خلال تدفق رءوس الأموال الكويتية بل أيضًا من خلال العوائد المستقبلية التى ستنتج عن هذه الاستثمارات، سواء فى شكل أرباح أو صادرات، ما يقلل من الحاجة إلى الاقتراض الخارجى وبالتالى يخفف من أعباء خدمة الدين ويُخفض مستويات الديون السيادية.
وأشار إلى أن هذا التحول من التمويل إلى الاستثمار يعكس ثقة دول الخليج وعلى رأسها الكويت، فى استقرار الاقتصاد المصرى وقدرته على توليد العائدات، وهو ما من شأنه أن يعزز من قيمة الجنيه المصرى ويقلل من الضغوط التى تعرض لها خلال السنوات الماضية، خاصة فى ظل تراجع موارد النقد الأجنبى التقليدية.
وأكد «غراب» أن تعزيز الاستثمارات المباشرة فى القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والطاقة المتجددة والبنية التحتية سيُسهم فى رفع معدلات النمو الاقتصادى وزيادة مساهمة القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى، كما يخلق فرص عمل جديدة ويدعم خطة الدولة نحو التنمية المستدامة.
وقال إن ما يحدث الآن يُعد جزءًا من رؤية شاملة تتبناها الدولة لإعادة بناء هيكل الاقتصاد المصرى على أسس إنتاجية واستثمارية وتحقيق التوازن المالى والنقدى بعيدًا عن الاعتماد على القروض والدعم الخارجى.
محرم هلال: يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية أعمق وطويلة الأمد
وصف الدكتور محرم هلال، رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، خطوة التحويل بالتاريخية، فى ظل فترة تشهد زخمًا متصاعدًا فى العلاقات بين البلدين بدعم مباشر من القيادة السياسية فيهما، مبينًا أن التعاون الحالى يعكس انتقال الشراكة إلى مستوى أعمق، يعتمد على الاستثمار والإنتاج المشترك بدلًا من الدعم المالى التقليدى.
وقال إن توجه الحكومة يُعد تحولًا نوعيًا واستراتيجيًا فى العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت، وينسجم مع رؤية الدولة الجديدة القائمة على استقطاب الاستثمارات بدلًا من الاعتماد على القروض والتمويلات المؤقتة.
وأوضح أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام شراكات اقتصادية طويلة الأمد، على غرار ما حدث فى مشروع «رأس الحكمة» مع دولة الإمارات، حيث تحولت العلاقة من مجرد إيداعات مالية إلى مساهمات فعلية فى مشروعات تنموية عملاقة تخلق قيمة مضافة وفرص عمل، وتعزز من تنافسية الاقتصاد المصرى.
وأضاف أن الكويت التى تمتلك استثمارات تتجاوز ٢٠ مليار دولار موزعة على أكثر من ألف شركة عاملة فى السوق المصرية، تسعى حاليًا لتوسيع محفظتها الاستثمارية فى قطاعات حيوية تتماشى مع التوجهات العالمية، مثل السياحة، والصناعات الثقيلة، والخدمات اللوجستية، وهو ما يجعل مصر وجهة مفضلة فى ظل ما تمتلكه من بنية تحتية متطورة، وبيئة تشريعية داعمة، وموقع جغرافى فريد.
ورأى أن التحويل من الودائع إلى الاستثمارات يمثل خطوة تعكس الثقة المتبادلة بين القاهرة والكويت، ويمنح دفعة قوية لمناخ الاستثمار فى مصر، خاصة إذا تم استكمال هذه الخطوة بإجراءات داعمة على الأرض مثل الإسراع فى إصدار الرخص الذهبية، وتيسير إجراءات تخصيص الأراضى، وتذليل العقبات البيروقراطية.
واعتبر أن هذا التحويل فرصة ذهبية يجب البناء عليها لتكرار التجربة مع شركاء عرب آخرين، خاصة أن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى تدفقات استثمارية مستدامة تضمن الاستقرار المالى وتعزز فرص النمو طويل الأجل.
على الإدريسى: يطور الصناعة المحلية ويدعم برنامج الطروحات الحكومية
أكد الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، أن التحول من الودائع إلى الاستثمارات يفتح الباب أمام شراكات كبرى لضخ استثمارات جديدة فى مصر، على غرار ما حدث بين مصر والإمارات فى مشروع رأس الحكمة. وأشار «الإدريسى» إلى أن الكويت تعد خامس أكبر مستثمر أجنبى فى مصر، مشددًا على أهمية التركيز على القطاعات الإنتاجية وتكنولوجيا التصنيع والدواء التى من شأنها توفير فرص عمل وتطوير الصناعة المحلية. وأضاف أن الكويت، التى تمتلك استثمارات بأكثر من ٢٠ مليار دولار موزعة على أكثر من ألف شركة، تبحث حاليًا عن فرص توسع فى مشروعات ضخمة تتعلق بالسياحة، والصناعات الثقيلة، والخدمات اللوجستية. وقال «الإدريسى» إن توجه الحكومة نحو تحويل جزء من الودائع الكويتية إلى استثمارات مباشرة «خطوة بالغة الأهمية» على طريق تعزيز الشراكة الاقتصادية مع دولة الكويت، كما يعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين ويُظهر رغبة مصر فى تبنى نمط تنموى قائم على الإنتاج والاستثمار بدلًا من التمويل والدين. وأشار «الإدريسى» إلى أن الكويت باعتبارها من أكبر المستثمرين العرب فى مصر سيكون لها دور محورى فى دعم برنامج الطروحات الحكومية من خلال شراء حصص فى شركات استراتيجية، وهو ما يعزز من فاعلية برنامج الخصخصة ويدفع باتجاه رفع كفاءة إدارة الأصول العامة وزيادة مساهمة القطاع الخاص فى النمو. وأكد أن هذه الاستثمارات ستمثل نقطة انطلاق جديدة للصادرات المصرية، لأن المشروعات الجديدة التى ستمولها رءوس الأموال الكويتية من المتوقع أن تنتج سلعًا وخدمات موجهة للتصدير، خاصة إلى الأسواق الخليجية والإفريقية، ما يسهم فى تحسين الميزان التجارى وتقليل الضغط على العملة المحلية. وأضاف أن هذا التحويل الاستثمارى يحمل رسالة طمأنة قوية للمستثمرين الأجانب، ويعزز من صورة مصر كوجهة استثمارية جاذبة، مشيرًا إلى أن الاستمرار فى هذا النهج يُسهم بشكل كبير فى تحقيق أهداف النمو الاقتصادى والاستقرار المالى على المديين المتوسط والبعيد.
محمد سعد الدين: يقلل الضغط على ميزان المدفوعات ويسهم فى تدعيم البنية التحتية
قال الدكتور محمد سعد الدين، رئيس جمعية مستثمرى الغاز المسال، إن خطوة الحكومة تمثل نقلة نوعية فى شكل العلاقة المالية بين البلدين، وتحولًا استراتيجيًا من الاعتماد على التمويل النقدى إلى الشراكة الاستثمارية الحقيقية.
وأوضح «سعد الدين» أن هذه الخطوة سيكون لها أثر إيجابى مزدوج، فهى من ناحية تخفف الضغط على ميزان المدفوعات المصرى عبر تقليل الالتزامات قصيرة الأجل، ومن ناحية أخرى، تسهم فى تدعيم البنية الإنتاجية من خلال ضخ رءوس أموال جديدة فى قطاعات حيوية، خاصة الطاقة النظيفة والصناعات التحويلية، وهى القطاعات التى تحتاج إلى استثمارات ضخمة وتكنولوجيا متقدمة، وتعد أولوية للدولة خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن تحويل الودائع إلى استثمارات يُعد أيضًا رسالة ثقة من الجانب الكويتى فى الاقتصاد المصرى، وفى قدرته على تحقيق عوائد استثمارية مستقرة، خصوصًا فى ظل الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، والتوجه الواضح للحكومة نحو تحسين مناخ الأعمال، من خلال منح الرخص الذهبية، وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات، وتقليل البيروقراطية.
وأكد أن هذه المبادرة تعكس تغيرًا فى الفكر الاستثمارى العربى، إذ أصبح التركيز ينصب على خلق شراكات ذات مردود اقتصادى طويل الأجل، بدلًا من تقديم دعم مالى مباشر لا يُنتج قيمة مضافة.
كما أشار إلى أن نجاح هذه الخطوة سيمهد الطريق أمام جذب استثمارات خليجية جديدة، ويدفع نحو تحقيق هدف الدولة فى توطين الصناعة وزيادة الصادرات.
ورأى أن هذا النوع من الاستثمارات سيُسهم فى توفير فرص عمل جديدة، ويعزز الاستقرار النقدى، ويُسرّع وتيرة التنمية المستدامة فى مصر، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تمثل تحولًا نوعيًا فى العلاقات المالية بين البلدين، وستؤدى إلى تقليل الضغط على ميزان المدفوعات المصرى، وتعزز فرص توطين الصناعة، خاصة فى القطاعات الحيوية كالهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة.
0 تعليق