جنون الذهب أم جنون ترامب؟!

0 تعليق ارسل طباعة

في أقل من 48 ساعة، اهتزت الثقة في الدولار الأمريكي، وارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، بينما كانت الصين تتحرك بخطى محسوبة نحو ما يبدو أنه انقلاب كامل على النظام المالي العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

كل شيء بدأ بتغريدة واحدة من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.. تغريدة قصيرة لكنها كانت كافية لإثارة القلق في الأسواق العالمية، ولتفتح باب الحلم واسعا أمام الصين للانطلاق نحو كسر هيمنة الدولار.

ترامب هاجم رئيس البنك المركزي الأمريكي جيروم باول، وطالبه صراحة بخفض أسعار الفائدة، ووصفه بـ"الخاسر الكبير" و"السيد المتأخر جدا – Mr.Too late". لم تكن هذه مجرد تصريحات عابرة، بل إعلان حرب على استقلالية أهم مؤسسة مالية أمريكية.

ردود الأفعال كانت سريعة وصادمة. الدولار فقد أكثر من 1% من قيمته خلال ساعات، وهبط مؤشر ICE للدولار إلى 97.92 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2022. مؤشر S&P 500 خسر هو الآخر 2.4%، والناسداك تراجع 2.6%، بينما ارتفعت أسعار الذهب بقفزات جنونية، لتتجاوز حاجز 3500 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخه، محققًا ارتفاعًا تجاوز 33% منذ بداية العام، من بينها 2.2% في أعقاب تغريدة ترامب فقط. توقعات بنك جولدمان ساكس رفعت السقف لأبعد من ذلك، متوقعة أن يصل الذهب إلى 3810 دولارات للأونصة بنهاية 2025.

في مصر، المشهد أكثر توترا. سعر جرام الذهب عيار 24 قفز من 5357 جنيها إلى 5590 جنيها في أقل من يومين متأثرا بالارتفاعات العالمية، وسط توقعات بكسره حاجز 6000 جنيه في ظل استمرار هذا المسار التصاعدي، ما يعني أن الذهب لم يعد فقط ملاذا آمنا، بل صار مؤشرًا على تصدع الثقة في النظام المالي ذاته.

لكن القصة لا تتوقف عند تغريدة ترامب ولا عند انهيار مؤشرات الأسواق. القصة الحقيقية في بكين.

الصين، التي لطالما استعدت بصبر لهذه اللحظة، دخلت الآن إلى حلبة الصراع المالي بقوة غير مسبوقة. البنك المركزي الصيني أعلن رسميًا إلزام الشركات الحكومية باستخدام اليوان في كافة تعاملاتها التجارية الخارجية. 

كما أعلن عن توسيع نظام المدفوعات عبر الحدود (CIPS)، مستندًا إلى تقنيات البلوكتشين Blockchain الحديثة، لتقديم بديل أسرع وأرخص وأكثر أمانا من نظام SWIFT الغربي.

الصين لا تراهن فقط على التكنولوجيا لتقديم بديل نقدي رقمي على غرار عملات الكريبتو، بل تراهن على الذهب أيضا. فقد زادت احتياطاتها من الذهب بأكثر من 333 طن في الربع الأخير من 2024 فقط، بنسبة زيادة تبلغ 54% عن العام السابق. وتم توجيه أوامر إلى بورصة شنغهاي بتكثيف التواصل مع بورصات العالم الكبرى لتسعير الذهب باليوان، في سابقة تهدد هيمنة بورصتي لندن ونيويورك على تسعير الذهب منذ عقود.

بمعنى آخر، الصين تمضي نحو ربط اليوان "واليوان الرقمي المستحدث" بالذهب، في محاولة لخلق نظام مالي جديد يكون فيه الذهب هو الضامن، واليوان هو العملة المرجعية. هذه ليست مجرد نظرية اقتصادية، بل استراتيجية متكاملة، مدعومة بخطوات تنفيذية على أعلى مستويات صناعة القرار في الدولة.

ما يجري الآن من تراجع متزامن للدولار والأسهم والسندات الأمريكية هو سابقة تاريخية. فعلى مدار عقود، كانت السندات الأمريكية هي ملاذ المستثمرين في الأزمات، لكن اليوم حتى هذه السندات لم تعد توفر الأمان.

الولايات المتحدة ترفع عوائد هذه السندات في محاولة لجذب رءوس الأموال، لكن الأسواق تقرأ ذلك كمؤشر على الذعر وليس القوة. كانت العلاقة عكسية بين الدولار والسندات الأمريكية، فكلما انخفض أحدهما هرب رأس المال إلى الآخر، أما الآن فبات واضحا أن المستثمرين يفرون من الدولار والسندات معا.

تقارير صحفية عديدة نقلت عن دوائر اقتصادية داخل أمريكا نفسها، أن قطاعا كبيرا من الأثرياء بدأ بالفعل في تحويل أمواله إلى خارج البلاد، خاصة نحو سويسرا وبريطانيا، بحثا عن ملاذات آمنة ومستقرة.

مشهد غريب على الولايات المتحدة، لم يكن يحدث إلا في دول الاضطرابات المالية وعدم الاستقرار السياسي.

في المقابل، تقدم الصين للعالم نموذجًا مختلفًا: عملة وطنية مدعومة بالذهب، شبكة تحويلات مالية سيادية، وتقنيات رقمية تتيح الاستقلال التام عن النظام الغربي.

هذا الانقلاب المالي الذي بدأ بتغريدة حمقاء من رئيس أهوج، قد يكون البداية الفعلية لنهاية عصر الدولار، وربما لبداية نظام مالي جديد، تكون فيه الصين لاعبا رئيسيا، واليوان يكون فيه هو العملة البديلة

السؤال الآن: هل تملك الولايات المتحدة القدرة على احتواء الأزمة؟ أم أننا أمام نقطة اللا عودة في مسار تراجع الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؟

الإجابة ستأتي من الأيام المقبلة، لكن المؤشرات حتى اللحظة تقول إن تكلفة ما فعله ترامب قد تكون فادحة، لا على واشنطن وحدها، بل على العالم كله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق