على النويشي: نزار قباني عاشق دمشقي عاش وقلبه متعلقًا بمصر (خاص)

0 تعليق ارسل طباعة

تمر اليوم الذكرى 27 على رحيل نزار قباني الملقب بالعاشق الدمشقي، إذ رحل في مثل هذا اليوم الموافق 30 أبريل 1998، جاء ذلك بعد رحلة طويلة من الهجاء والحب، وبعد معارك خاضها على طول أرض العرب وعرضها، رحل عنا نزار قباني عن عمر 75 عاما ليعلن للجميع أن شاعر العرب قد سكت عن كل الكلام المباح وغير المباح. في التالي  تعرف على سيرة العاشق الدمشقي.

في تصريحات خاصة لـ"الدستور" قال الكاتب الصحفي علي النويشي: "نزار ارتبط بمصر كما لم يرتبط ببلد غيرها، فقد أحبها من كل قلبه، ومرات كثيرة يفكر في الإقامة بها، ولكن أبعدوه عنها وقلبه ينزف دمًا".

وتابع "النويشي" أنه رغم الغياب ما زال نزار قباني حاضرًا، غض القصائد، أخضر الكلمات، لم يغيبه الموت بعد، ولم تدخل أشعاره متحف التاريخ، بل دار في عموم الخالدين.. وأما قصائده فطارت كعصافير تغني على كل شباك، وبقيت هي الناطق الرسمي بلسان العشاق، ومازال ايضا هو صوت الحب، وسوط الغضب الثوري.

 يسرد كتاب "نزار قباني في مصر" تفاصيل سيرته فيشير إلى أن جاء العاشق الدمشقي نزار قباني إلى مصر سنة 1945، وكان عمره 22 عامًا وعندما غادرها بعد 3 سنوات، لم يكن يعلم أنه ارتبط بها حتى آخر لحظة في عمره.

على أرضها دشن شاعريته ورحلته كمثقف، وبجوار نيلها دارت معاركه الفكرية والشعرية. وفي مصر، وبعد رحيله، صار شعر نزار يغنى على كل لسان، وعندما غادر الوطن العربي ليعيش في منفاه الاختياري في أوروبا، لم تتركه مصر، ولم يتركها هو أيضا.

ونزار قباني ولد في دمشق، وتخرج سنة 1945 من كلية الحقوق بجامعتها، ثم التحق بوزارة الخارجية، وانتقل في العام ذاته إلى القاهرة دبلوماسيا في سفارة بلاده. 

ويؤكد الكتاب على أنه في مصر كانت ولادته الثانية، ومنها كانت نقطة الإنطلاق نحو عالم الشهرة والألم، فيها تعلم كيف يصالح، ومن يعادي، وكما يقول: كانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي والصحافي والإذاعي في سنوات الملكية الأخيرة، وللقاهرة عليَّ فضل الربيع على الشجر، وبصمات يديها ترى واضحة على مجموعتي الشعرية الثانية (طفولة نهد) المطبوعة عام 1948”.

بعد عام 1948 غادر نزار القاهرة بجسده فقط، وبقيت القاهرة معه يحملها في حقائبه أينما رحل وأينما حل، فهو لاينقطع عن زيارتها، وأصدقائه على تواصل دائم معه، وفيها عاش وعشق واقترن، وإليها يعود كما يعود الطائر المسافر.

ويشير الكتاب إلى أنه في القاهرة عاش أول أيام الوظيفة، دبلوماسي في السفارة السورية، وفي هذا المناخ عاش جو حرية الصحافة، وشهد المعارك النيابية، وكان متابعًا لحالة الحراك الاجتماعي التي تعيشه مصر، وهو يرى صحف تولد كل يوم، ومراحل سياسية تذوي وتموت، وحقبة تاريخية تطوى، وشباب يقاتل من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.

طفولة نهد 

في القاهرة أصدر أهم دواوينه "طفولة نهد" الذي حمله على جناح الشهرة، وفيها أصبحت قصائده أنشودة يتغنى بها كل لسان، وفي القاهرة جرب أن يكون ممثلاً، وأن يكون شاعرًا مشهورا تطبع دواوينه طبعات شعبية يشتريها الأولاد والبنات بقروش قليلة.

يرحل نزار عن مصر، وعينه وقلبه على معلقتان بها، تشتعل ثورة الضباط الأحرار، ويؤمم عبدالناصر قناة السويس، ويقع العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وينفعل نزار ويكتب رسائله الشهيرة إلى جندي بورسعيد، وبنطلق بث التايفزيون المصري في 1960، وكان نزار من أول ضيوفه ليشهد العالم لقاءاته على الهواء مباشرة من القاهرة.

هوامش على دفتر النكسة 

ينتقل نزار من وظيفة لوظيفة ومن مدينة لأخرى، وفي عام 1962 يستقيل من الدبلوماسية ويتفرغ للشعر فقط، وكان يعيش بين القاهرة وبيروت، حتى جاء 5 يونيو القاصم للظهر، والفاصم للفكر، ولا يتحمل نزار الكارثة فيقع مريضًا ويدخل المستشفى، وبين الصحو واليقظة ينتبه ليكتب قصيدته الباكية المنتحبة "هوامش على دفتر النكسة". 

وفي وسط الصحبة والأصدقاء، الذين يقنعوه بتجربة التمثيل، فربما التجربة تخرج منه فنانًا شهيرًا وممثلاً عظيمًا، ولكن ينحاز نزار للشعر فينتصر في النهاية، وبرغم نجاح تجربته في التمثيل، إلا أنها كانت التجربة ألأولى والأخيرة.

ويستشهد الفريق عبدالمنعم رياض، وتقع حرب الاستنزاف، ويبقى نزار متفاعلاً مع هذه الأحداث بقصائده، حتى يصدمه كما تصدم الأمة العربية كلها بالوفاة المفاجئة للرئيس عبدالناصر، وينتحب نزار من جديد على هذا الرجل الذي كان يعشقه ويحبه كما كان يحب والده توفيق قباني، وتتوالى قصائد الرثاء على عبدالناصر من قتلناك يا أخر الأنبياء لغيرها من القصائد.

طه حسين.. المتمرِّد الذي نصره اللَّه! | الجزيرة نت

 إرم نظارتك ما أنت أعمى  في رثاء طه حسين 

ويعيش نزار لحظة عبور قواتنا العربية قناة السويس، وتحطيم خط بارليف، ويومها يذكر في قصائده، أنه ولد يوم عبور القوات القناة ودخول سيناء، وأن تاريخ ميلاده الحقيقي يكتب بداية من هذا اليوم، وفي ظل هذا الانفعال يفاجئ العالم برحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وهنا ينفعل وهو يخاطب العميد قائلاً له: إرم نظارتك، ما أنت أعمى.

ولا ينقطع نزار عن مصر، حتى أن الفنان عبدالوهاب كان يطالبه بالبقاء في مصر، ويقول له أنت تعودت على مصر، ومصر تعودت عليك يا نزار، ولا يفوته أن يحضر مهرجان افتتاح متحف أحمد شوقي أمير الشعراء، الذي شبه قصائد أمير الشعراء وهي تستقبله بالفساتين البيضاء والحمراء والزرقاء.

b91c638395.jpg

ولا يكتفي نزار بوجوده وحده في القاهرة، بل يأتي بولده توفيق ليدرس الطب في القصر العيني، ويشتري بيتا في منطقة جاردن سيتي تمهيدا لإقامته الدائمة هو وتوفيق  ويعيش نزار معظم أوقاته في القاهرة بداية من السبعينيات، محتميا بأصدقائه من أي مفاجئات، ولكن يبقى القدر له بالمرصاد عندما يكتشف إصابة ابنه توفيق بمرض نادر في القلب، أخبره الأطباء أنه لا أمل.

ويحمل ولده لاستكمال العلاج في لندن، ولكنه يتوفي ويحمل جثته ومناديله وملابسه وبعود وحده كالسيف المكسور، ويتشاءم نزار فيبيع البيت، شهور قليلة وتموت والدته في دمشق، وتشتعل الحرب الأهلية في بيروت، ويترك بيروت للقاهرة مرة ثانية، وتغتال الصراعات العربية في لبنان زوجته وحلم عمره بلقيس، ويتخذ  قرارا نهائيا بالعيش والاستقرار في القاهرة من جديد، ولكن يفاجئ بحملة صحفية من بعض ألأقلام، على أثرها يرحل عن عالمنا العربي كله إلى سويسرا ثم لندن...

ورغم كل هذا لم يترك نزار القاهرة، ولم تتركه القاهرة، بل ظلت تعيش فيه، وإن لم يعش هو كثيرا بها، ولكن ظلت زياراته ورحلاته إليها لا تنقطع، وفي شتاء كل عام لابد له من زيارة للقاهرة، سواء دعوه في معرض الكتاب أم لم تتم دعوته، فهو دائما مدعوا من النيل ومن الأهرامات، ومن قنوات وترع الفلاحين، ودائمًا مدعو من الطلاب والشباب والعشاق في كل مكان من أرض مصر.

وعندما يعقد السادات صلحًا مع العدو، لا تهدأ روح نزار الشاعرية، إلا بقصيدة هي أقرب للبكاء والنزيف منها للهجاء، وتهتز مصر كلها لقصيدته التي كتبها عن السادات، ولم يغفرها له أبدا حواريو السادات، فقد كانت القصيدة غاضبة ولاذعة لرئيس أكبر دولة عربية...

ومع كل هذا لا ينقطع الحبل السري بين نزار ومصر، وتمر السبعينيات بكل ألامها ومذاقها العلقم على كل عربي، فقد قطع العرب كلهم علاقاتهم بمصر، ويأتي عقد الثمانينيات بجموح رياحة، وخماسين أجوائه، ونشاهد نزار قباني أول من كسر المقاطعة عن مصر، وجاء يدعو العرب بأنهم لن يكونوا بدون مصر، وأن مصر لن تكتمل عروبتها إلا بهم.

وتستقبل الجماهير نزار قباني استقبال الفاتحين، وتنعقد له أكبر المهرجانات في معرض القاهرة للكتاب كل عام ليحضرها عشرات الألوف من الجماهير، ويتألق نزار وسط الجموع، ويظل واقفا بالساعات الطويلة وهو يشدو ويغرد أمام الجموع، فهو كما يقول: أنا صوت الجماهير..

ويرحل نزار ويذهب إلى عالم السكون والهدوء، وكان المصريون هم أكثر الشعوب العربية حزنًا عليه كانوا يلقوه بظهر السوق عطا فيرويهم، من ماء الكلمات، جوعى فيطعمهم من ثمار الحكمة، وينادمهم بكئوس الشوق.

وكما يقول صلاح عبدالصبور: 

كان يريد أن يموت، كي يعود للسماء 

 كأنه طفل سماوي شريد 

 قد ضل عن أبيه في متاهة المساء. 

592.webp
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق