قال الناشط الحقوقي أحمد عبدالله إسماعيل، رئيس منظمة شباب من أجل دارفور "مشاد"، إنه بالنظر إلى الزيادة الملحوظة في أعداد العائدين إلى السودان خلال الفترة الأخيرة، فإن هذا التطور يتطلب قراءة دقيقة ومتأنية في ضوء الواقع الميداني، والمعطيات الأمنية والإنسانية السائدة في السودان.
وأضاف إسماعيل في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنه لا يمكن اعتبار عودة أعداد متزايدة من اللاجئين دليلًا قاطعًا على استتباب الأمن أو تحسّن الظروف الإنسانية في المناطق التي عادوا إليها، فالكثير من هذه العودة تتم في سياق الضغوط الاقتصادية، أو بسبب تقليص الدعم والخدمات في دول اللجوء، أو حتى نتيجة الحملات الإعلامية أو الأمنية التي تمارسها بعض الأطراف، ما يضطر العائدين للرجوع إلى بيئات لم تستكمل شروط الكرامة أو السلامة.
أبرز المناطق التي تتمتع بالأمان الآن
حول أبرز الأماكن التي تتمتع الآن بالأمان في السودان، قال إسماعيل: "نعم، توجد في السودان بعض المناطق التي يمكن اعتبارها آمنة نسبيًا مقارنة بمناطق النزاع الساخنة، لكن من المهم التأكيد أن الأمان النسبي لا يعني بالضرورة توفر الاستقرار الكامل أو الشروط الكافية للعودة المستدامة".
وتابع: "من بين المناطق التي توصف حاليًا بأنها أكثر هدوءًا نسبيا، ولاية البحر الأحمر (خصوصًا بورتسودان) تعتبر حاليًا مركزًا إداريًا للحكومة وتحتضن الكثير من مؤسسات الدولة والمنظمات، وتشهد استقرارًا أمنيًا مقارنة بالعاصمة الخرطوم ومناطق النزاع في دارفور وكردفان".
وأضاف إسماعيل أن ولاية نهر النيل مثل عطبرة، رغم بعض التحديات الاقتصادية، إلا أن الوضع الأمني فيها يوصف بالهادئ، ويوجد بها عدد من النازحين الذين لجأوا إليها.
وأوضح أن ولاية الجزيرة (مدني)، نسبيًا تعرضت لتوترات أمنية، لكنها ليست مسرحًا دائمًا للعمليات العسكرية، ويعتمد الوضع فيها على التغيرات المتسارعة في الصراع.
وأضاف أن بعض مناطق شرق السودان مثل كسلا والقضارف، تتمتع بهدوء نسبي، لكن تعاني من ضعف في الخدمات ومشاكل اقتصادية وأمنية متفرقة.
وتابع: "أقصى شمال السودان مثل دنقلا وبعض مناطق الشمالية، تعتبر من أكثر المناطق استقرارًا من حيث الأمن، ولكنها بعيدة عن مراكز الخدمات وتفتقر للبنية التحتية الكافية لاستيعاب أعداد كبيرة من العائدين".
الوضع في السودان يتغير بسرعة
وأكد إسماعيل أن الوضع في السودان شديد السيولة ويتغير بسرعة، وبعض المناطق التي تعتبر آمنة اليوم قد تتعرض لتهديدات أمنية غدًا.
وشدد على أن الأمان لا يقتصر على غياب السلاح فقط، بل يشمل أيضًا توفر الخدمات الأساسية، الوصول الإنساني، والمساءلة القانونية.
وأوضح إسماعيل أن المعايير الدولية لعودة اللاجئين تتطلب توفر ثلاثة شروط أساسية الطوعية، والكرامة، والأمان، وفي الحالة السودانية، لا تزال العديد من المناطق تشهد اشتباكات متقطعة، انتشارًا للسلاح، وانعدامًا للخدمات الأساسية، ما يطرح تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مدى انطباق هذه العودة مع تلك الشروط.
وأشار إسماعيل إلى أن تزايد أعداد العائدين شهريًا يفرض مسئولية عاجلة على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، ليس فقط فيما يتعلق بتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة للعائدين، بل في ضمان عدم استخدام هذه العودة كأداة سياسية لإظهار "تعافٍ وهمي"، بينما الواقع على الأرض يشي بغير ذلك.
وأكد إسماعيل أن العودة لا تعني بالضرورة الأمان، وما لم تكن العودة طوعية، آمنة، ومستدامة، فهي لا تمثل حلًا حقيقيًا، بل قد تؤدي إلى إعادة تدوير معاناة النازحين واللاجئين، وربما تفاقم الأزمات الإنسانية الكامنة، وعلى هذا الأساس فإن واجبنا الأخلاقي والقانون يتمثل في رصد هذه العودة بعيون حقوقية، وتحليلها بميزان العدالة والإنصاف، وليس بمقاييس الأرقام المجردة.
0 تعليق