الخادم والطباخ والسائق هم الورثة.. أسرار في حياة سليمان بك نجيب

0 تعليق ارسل طباعة

لم يكن مجرد فنان مخضرم أو نجم من نجوم العصر الذهبي للسينما، بل كان إنسانًا نادرًا بقلب أرستقراطي وروح في غاية البساطة، عاش للفن، ووهب عمره للناس، ومات كما عاش… نقيًا، عادلًا، كريم النفس، إنه سليمان بك نجيب، الباشا الذي كسر قواعد طبقته واختار أن تكون عائلته الحقيقية هم من خدموه بإخلاص، فكتب وصيته لتذهب ممتلكاته إليهم دون تردد.

25e41b5343.jpg

في الوقت الذي كان فيه الفن من المحظورات داخل الطبقات الراقية، اختار سليمان نجيب أن يخالف العرف، ويبدأ مشواره في السينما، ليصبح من أبرز الوجوه التي صنعت ذاكرة السينما المصرية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ورغم الألقاب والنفوذ العائلي، حيث كان نجل الأديب مصطفى نجيب، وابن شقيق رئيس الوزراء أحمد زيور باشا، فإنه لم يعرف التكبر أو التعالي، بل عاش حياة مليئة بالبساطة والتواضع.

لكن الجانب الإنساني في حياة هذا "الباشا الفنان" يفوق في قيمته ما قدمه من أعمال فنية. لم يتزوج يومًا، لا لعيب في الحب، بل خوفًا من أن ينجب أبناء قد يعانون الفقر بعد وفاته. قالها ببساطة: "لا أستطيع أن أتحمل فكرة إنجاب أطفال لا أستطيع رعايتهم بعد رحيلي."

9ef1c55e08.jpg

لذلك، تبنى أبناء خادمه، وكفل تعليمهم وتربيتهم كأبنائه تمامًا. وكان يرى في مربيته الشخصية "أمه الحقيقية"، وعندما توفيت، أراد دفنها بجانب والدته. واجه اعتراض عائلته التي اعتبرتها مجرد خادمة، فرد عليهم بعبارة لا تزال تروى حتى اليوم:
"هو في بيه وباشا في الموت؟ كلها نومة واحدة!"

وعند وفاته في 18 يناير 1955، كشف عن درس أخير في الإنسانية. لم يترك ثروته لعائلته الأرستقراطية، بل أوصى أن تذهب سيارته لسائقه، وأثاث مطبخه للطباخ، وأثاث السفرة للخادم، بينما يمنح باقي أثاث المنزل لدار الأوبرا المصرية التي ترأسها واعتبرها بيته الثاني.

c6b30a1993.jpg

الأغرب من ذلك أن شقيقه، الذي كان مسافرًا أثناء وفاته، طلب من صديق الراحل أن يشرف على الجنازة، وقال له: "اكتب الفواتير وأنا أرجع أحاسبك." وعندما عاد، فوجئ بأن سليمان نجيب كان قد احتفظ بمبلغ 299 جنيهًا وقرشًا واحدًا في خزانته – وهي القيمة الدقيقة لتكاليف جنازته، كما لو كان يخطط لكل شيء حتى آخر لحظة بكرامة وصمت.

858.jpg

إنه سليمان نجيب، الذي لم يترك قصورًا ولا ذهبًا، لكنه ترك خلفه قصة نبل نادرة، وفنًا خالدًا، وإنسانية لا تنسى. كان يرى في خدمه أسرته الحقيقية، وفي الفن رسالة، وفي الموت مساواة لا تفرق بين بيه وخادم.

رحل الباشا كما عاش... بكامل وقاره، وعميق إنسانيته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق